رؤية الخبراء

بانوراما شاملة لتأُثيرات كورونا على قطاعات السياحة والطيران والسفر عالميا وإقليميا مدير عام شركة ليدرز قروب . نبيلة العنجري

من المؤكد أن انعكاسات فيروس "كورونا المستجد - كوفيد 19" على حركة الطيران والسفر وحركة السياحة عامة وإشغالات الفنادق ستكون سلبية ضخمة في الدول التي صُنفت موبوءة بالدرجة الأولى، وفي دول العالم قاطبة. بعض الانعكاسات بدأت تظهر، ولكن كثيرا منها لن يعرف قبل الربع الثاني من العام أي قبل مايو على أقل تقدير.

لقد تسارع بوتيرة كبيرة في الأيام الأخيرة عدد الدول التي تمنع خروج مواطنيها وسفرهم إلى دول أخرى منعا لنقل العدوى كما حال الصين حاليا، وكذلك عدد الدول التي تمنع استقبال مواطني دول أخرى قد يكونون مصابين بالفيروس..

بشكل عام يمكن الحديث عن إلغاء أكثر من 90% من حجوزات الطيران الآجلة للأسابيع الثلاثة أو الأربعة المقبلة. بالنسبة للصين، فقد أوقفت منذ 27 يناير الماضي كل رحلات المجموعات السياحية في الداخل وإلى الخارج، وهذا الأمر لوحده سيؤثر مباشرة على حجوزات الفنادق في معظم دول العالم التي تستقبل سنويا أكثر من 170 مليون سائح صيني.

في المقابل علقت كبريات شركات الطيران الأمريكية رحلاتها إلى الصين مثل: شركة "دلتا" للطيران التي أوقفت رحلاتها حتى 30 أبريل القادم على الأقل، وأعلنت شركة "أمريكان إيرلاينز" عن مزيد من عمليات إلغاء الحجوزات إلى الصين، وعلقت شركة "يونايتد إيرلاينز" رحلاتها إلى المدن الصينية الرئيسة منذ 6 فبراير وحتى 28 مارس المقبل.

في إيطاليا مثلا وهي من أبرز الوجهات السياحية العالمية، أعلن قبل أسبوع عن إلغاء أكثر من 80% من الحجوزات في فنادق مدينة البندقية، لكن بعدما ارتفع عدد الوفيات بسبب الفيروس إلى 200 وفاة، أعتقد أن الإلغاء وصل إلى 100%.

من ينهار ومن يستوعب؟

حركة الطيران وحجوزات الفنادق حركة عالمية بكل معنى الكلمة، أي إن الانعكاسات لن توفر أي بلد بتقديري، حتى تلك التي ما زالت بعيدة عن الفيروس إلى الآن، مثل أمريكا الجنوبية وأفريقيا جنوب الصحراء. إنما تتفاوت النتائج من بلد لآخر. كما أن قدرة شركات الطيران أو شركات الفنادق على استيعاب تراجع الحجوزات تختلف لعدة عوامل؛ فإذا كانت الشركة تعاني أصلا من متاعب قبل انتشار الفيروس فسيكون من الصعب عليها تحمل تراجع الحجوزات حاليا. فمثلا، سبب تراجع الطلب والحجوزات بفعل كورونا على خدمات شركة الطيران "Flybe" البريطانية وهي واحدة من أضخم شركات الطيران في أوروبا، انهيارها بالكامل قبل أيام، بعد أن كانت تعاني أساسا من أزمة قبل شهور رغم أنها كانت تتولى أكثر من 40% من الرحلات الجوية الداخلية في بريطانيا.

 

غير أن الشركات التي سبق أن مرت بأزمات عالمية، مثل الفيروسات السابقة، أو انهيار الأسواق المالية، تبدو أكثر خبرة في التعامل مع تداعيات كورونا، لكنها الآن قيد التخطيط لكيفية التعايش مع الواقع الجديد واستبعاب تداعياته السلبية في النصف الثاني من العام في حال تمت محاصرة الفيروس حول العالم، أو في العام القادم إن تأخر ذلك، رغم اعترافاتها بخسائر مليونية ضخمة إلى الآن، مثلما فعلت  سلاسل فنادق "هيلتون" و"إنتر كونتيننتال" و"ماريوت".  

وفي دول مثل الكويت، التي لا تعتبر من الدول الموبوءة لا يتردد كثير من مسؤولي الفنادق عن الحديث عن إلغاء حجوزات تصل إلى أكثر من 80 في المئة، أو أن نسبة إشغال الغرف قد هبطت إلى أقل من 20 في المئة، (ومعدلها السنوي العام عادة يصل إلى 58%)، علما أن هذه الفترة من السنة هي فترة الذروة بالنسبة لزيارة الكويت.

كما أن بعض أصحاب شركات السياحة والسفر في الكويت يتحدثون عن إلغاء نحو 85% من حجوزات مسبقة الدفع، سواء للفنادق، أو للسفر خاصة بعدما تم إلغاء كل الحجوزات المسبقة أو الجديدة خلال عطلة العيد الوطني الأسبوع الماضي. قد يكون بوسع هذه الشركات تحمل هذا الجمود بضعة أيام في الأحوال الطبيعية، لكن جزءا منها قد لا يستطيع ذلك إن استمر هذا الوضع لأسابيع كثيرة، خاصة تلك التي قد بدأت تعاني في الفترة الأخيرة من حدة منافسة المواقع والخدمات والتطبيقات الإلكترونية.

قلق... وأرقام  

لعل من أقرب أشكال تأثير كورونا على قطاعات الطيران والسياحة في منطقتنا، هو الإعلان مطلع الأسبوع عن تأجيل معرض "سوق السفر العربي" في دبي، الأكبر من نوعه في المنطقة، من 19 أبريل إلى 28 يونيو المقبلين بسبب تفشي كورونا، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان ألمانيا إلغاء معرض "بورصة برلين للسياحة الدولية" (ITB Berlin)، الذي يعتبر أكبر معرض للسياحة في العالم. والآن، لنتمنّ جميعا أن تتم محاصرة الفيروس قريبا قبل معرض "إكسبو دبي 2020" الأضخم الذي يحتوي إنجازات ومشروعات من مختلف الأمم، والمقرر افتتاحه في أكتوبر المقبل ويستمر 171 يوما. لقد تم إنفاق مئات ملايين الدولارات على تصميم وبناء أجنحة دول العالم المشاركة في هذا الحدث العالمي الذي يقام كل 5 سنوات والمتوقع له جذب نحو 11 مليون زائر. وكل يوم يمر دون محاصرة الفيروس يزيد من قلق المنظمين ومن قلق المشاركين على السواء.

من حيث الأرقام، أتوقع أن يصاب قطاع السياحة العالمي بأكبر هبوط له منذ عام 2001، ليكسر بذلك وتيرة النمو المتواصلة منذ العام 2009- إثر الأزمة المالية العالمية في 2008. وبناء عليه لن تتحقق هذا العام التوقعات الدولية السابقة (من طرف منظمة السياحة العالمية) التي كانت تشير إلى 1.6 مليار سائح حول العالم في 2020، علما أن عدد السياح في 2019 (1.5 مليار سائح) سجل نموا عالميا قدره بلغ 4% فقط بسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي والأوضاع الجيوسياسية واقتراب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" وذلك بعد أن كان قد سجل في عامي 2017 و2018 نموا بلغ 7% و6% على التوالي. 

ومن المؤكد أن الانخفاض الأكبر سيسجل في شرق آسيا والباسفيك بالدرجة الأولى، وسيبلغ بضع عشرات من الملايين على أقل تقدير -حتى الآن- بعد أن كانت التوقعات السابقة تشير إلى أن هذا الإقليم سيستقطب هذا العام 297 مليون سائح. وستتأثر جميع الوجهات الأخرى سلبا نتيجة المخاوف حول العالم من الانتقال إلى أي بلد فيه وفيات أو إصابات بسبب الفيروس، هذا عدا شبه شلل حركة الطيران السياحي في العديد من دول العالم الذي سيستمر لأسابيع عديدة أخرى.

تقديرات تزداد يوميا 

لم يعد مفاجئا أن تصدر عن الجهات المرجعية الدولية تقديرات بالخسائر متزايدة يوما بعد يوم. ففي الأسبوع الأخير من فبراير الماضي مثلا، لم تتجاوز مثلا توقعات اتحاد النقل الجوي (إياتا) لخسائر قطاع الطيران والسفر الثلاثين مليار دولار. ثم قفز الرقم الصادر عن نفس الجهة بعد أسبوع، أي قبل ثلاثة أيام، إلى أكثر من الضعفين مع عدم استبعاد ثلاثة أضعاف. فحسب "إياتا" نفسه، قد تبلغ الخسائر نحو 63 مليار دولار في حال تمت السيطرة على المرض عالميا، لكنها سترتفع في حالة استمر كورونا بالانتشار أكثر فأكثر لتصل إلى 113 مليار دولار هذا العام.

عالميا أيضا، تذهب بعض الدراسات إلى أن قطاع النقل والطيران يليه قطاع السياحة والترفيه مرشحان ليكونا أكثر قطاعين تضررا في العالم بسبب كورونا، تليهما قطاعات الخدمات والتجزئة والصناعة وأسواق الأسهم، في حين ستكون قطاعات الأدوية والاتصالات والتجارة الإلكترونية والذهب الأكثر ربحا.

إضافة إلى الخسائر التي ستأتي طبعا بتراجع حركة السياح في العالم، كما أشرت سابقا. بعض الدراسات المتخصصة تشير إلى توقعات بانخفاض حركة السفر الدولي بنسبة 1.5 في المئة هذا العام مسجلة أول هبوط منذ 2009 في ذروة الأزمة المالية العالمية، ويعني ذلك أن حركة السفر هذا العام ستتأثر انخفاضا بمعدل خمسة أضعاف من تأثيرات انتشار فيروس "سارس" في العام 2003.

طبعا ستكون الصين والدول المجاورة لها الأكثر تأثرا بمراحل.

موضوعيا، المعطيات عن الخسائر وباقي التأثيرات ستتزايد باعتقادي مع التقارير المالية عن شهر مارس الجاري التي ستصدر بعد أسبوعين عن شركات واتحادات الطيران والسياحة والسفر. إن ما نحن متأكدون منه حتى الآن على الأقل هو أن العالم لن ينعم هذا العام بإنفاق السياح الصينيين الضخم، الذي يقدر بأكثر من 277 مليار دولار، ولن ينعكس ذلك على شركات الطيران والسياحة الصينية فحسب، بل على مرافق السياحة والفنادق في جميع مناطق العالم، بما فيها منطقة الخليج التي استقبلت في العام 2018 نحو 1.6 مليون صيني (السعودية أولها تليها الإمارات ثم عمان فالبحرين ثم الكويت)، في ظل توقعات بارتفاع العدد إلى 2.9 مليون سائح صيني بحلول 2022. البعض يعتقد أن الإنفاق الصيني على السياحة الخارجية في العالم سيتراجع 70 مليار دولار على الأقل. لكن إذا طال انتشار الفيروس لأشهر أخرى فإيرادات السياحة العالمية من الصين ستتراجع أكثر من ذلك بكثير. وبدرجات أقل سيكون حال معظم الدول المصدرة للسياحة في الخارج مثل أوروبا والولايات المتحدة. والعكس صحيح نسبيا.

ومن المؤكد أيضا، أن الإنفاق الخليجي -وضمنه الكويتي- على السياحة والسفر في الخارج بدأ أيضا يتراجع، لكنه لا يزال على قاعدة التراجع اليومي يوميا، إلا إذا تأخرت عودة رحلات الطيران الخليجية والأجنبية بين دول المنطقة والوجهات السياحية العربية أو الأجنبية لأكثر من شهر، حيث سيتراجع حجم الإنفاق المذكور ليبلغ مئات الملايين من الدولارات. وقد تكون الكويت الأكثر توفيرا لجزء من هذا الإنفاق -البالغ في العام 2018 نحو 16 مليار دولار- حسب قاعدة أنها لا تزال أقل الدول الخليجية استفادة من السياحة الوافدة إليها.

وفي ختام هذه البانوراما الشاملة عن تأُثيرات كورونا على قطاعات السياحة والطيران والسفر عالميا وإقليميا، بوسعنا القول أن مفهوم الكارثة في هذه القطاعات لا يمكن اعتماده حتى الآن إلا على نطاق موضعي وجزئي، وذلك بانتظار وضوح أو ظهور أو تأخر توقيت محاصرة الفيروس. وإذا كانت التوقعات العالمية السابقة عن هذه القطاعات قد خابت بمعنى أنها ستخضع للمراجعة بعد أسابيع، إلا أنه لا يمكن الحديث عن شلل في هذه القطاعات إلا بعد قدوم النصف الثاني من هذا العام وما سيكون عليه وضع الفيروس وتداعياته، وكل الاحتمالات تبقى واردة. 

مواضيع مرتبطة