رؤية الخبراء

تكسر السقف الزجاجي في مهنة المحاماة بدولة الكويت المحامية . سارة الدعيج

عام 1968 فتح سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح عندما كان وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء بابا أمام المرأة للعمل واثبات كفاءتها، من خلال اقتناعه بقدراتها، ولكي يكون قدوة لسواه في هذا المجال، عندما وافق على تعيين المحامية سارة الدعيج باحثة قانونية في ديوانه، ومن خلال هذا الموقع تعرفت على سموه عن كثب، فرسخت في ذهنها ذكريات عن تلك الفترة وانطباعات عن الجوانب الانسانية في شخصه.

تسرد لنا المحامية الكويتية القديرة / سارة الدعيج مسيرتها المهنية في القطاع القانوني و تقول :

التحقت بجامعة القاهرة وتخصصت حقوق، وبعد أربع سنوات تخرجت ورجعت الى بلدي الكويت، وبداية سنوات التخرج كانت الامور ميسرة للوظيفة في نهاية الستينيات، وذلك عام 1968.

قابلت المرحوم حمد العيسى رئيس ديوان الموظفين، وقال: توجد أماكن ومواقع للعمل في مستوى عال لكن قبل أن أقابله سمعت بأن المغفور له الشيخ جابر الاحمد أمير دولة الكويت الأسبق عندما كان وليا للعهدو كان مكتب ولي العهد بحاجة لموظفين وموقعه مجلس الوزراء الذي يتكون من الامانة العامة ويرأسه عبدالعزيز العتيبي والمناقصات المركزية ويرأسه علي الجسار والفتوى والتشريع يرأسه حسن العشماوي قبل سلمان الدعيج.

أرسلني  المرحوم حمد العيسى الى مجلس الوزراء وقابلت الأمين العام وسألني ان كنت أرغب في العمل بأمانة مجلس الوزراء أو المناقصات أو الفتوى والتشريع، فقلت سمعت ان مكتب ولي العهد بحاجة لموظفين، فقال لا أستطيع توظيفك في هذا المكان  لأن سمو الشيخ جابر الاحمد هو الذي يختار موظفيه.

فقلت له أنا أطلب منه  وتمت الموافقة على تعييني وكنت أول امرأة كويتية تدخل مجلس الوزراء، فرحت كثيرا وعينت بالدرجة الرابعة كباحثة قانونية في مكتب ولي العهد وكان عبداللطيف البحر مدير المكتب وفيصل المسعود مسؤول عن شؤون النفط وغازي الفليح للشؤون المالية وعيسى العصفور للإعلام، والمرحوم أحمد سعود المقهوري للتشريفات وعبدالله العبدالرزاق للعلاقات العامة وعبدالله الحوطي للشؤون الادارية والمالية، وكنت في الشؤون القانونية بنفسي لم يكن معي أي موظف، باشرت عملي وتكونت لجنة الأعمال  الاضافية وكنت عضوا فيها ورئيسها فيصل المسعود ومن كل وزارة بحثنا زيادة الموظفين المستحق وغير المستحق صباحا ومساء، وتم صرف المبلغ.

أذكر استدعاني يوما الأخ عبداللطيف البحر مدير مكتبه وأخبرني ان الشيخ جابر كلّفني العمل بمراجعة مضابط مجلس الأمة التي ترد اسبوعيا الى ديوان ولي العهد والتعليق عليها من الناحية القانونية، بحيث نطابق مقترحات أعضاء مجلسي الأمة على القانون، واذا كانت غير قانونية ما الحل لتصبح قانونية وتحقيق رغبات أعضاء مجلس الأمة.

وكان موقفه هذا  تكريم  للمرأة، حيث جعلني هذا العمل اطلع على ما يدور في مجلس الأمة من خلال مضابطه الاسبوعية، كان يثق بالمرأة، وبجديتها في العمل، وأيضا حضر اليّ يوما الأخ فيصل المسعود وأخبرني ان الشيخ جابر يدرس امكان تسليمي مفاتيح خزن المعاهدات الدولية والاتفاقات لكي تجري مراجعتها من الناحية القانونية قبل التوقيع عليها، ولكن لانشغالنا في لجنة الأعمال الاضافية وهي اللجنة التي شكلها سموه من فرط حبه للانسان الكويتي وحتى لا تضيع حقوق من يرعاهم من موظفي وعمال الدولة، أسند رئاستها الى الأخ فيصل المسعود على ان أكون أنا من بين أعضائها لإيمانه بدور المرأة ولكي يعدها لدور لها في المستقبل، كان رحمه الله بعيد النظر، وعملت اللجنة بأسرع وقت وأنجزت كشوفات المستحقين لمكافأة العمل الاضافي في الدولة عن سنوات سابقة، واعتمدت المبالغ وصرفت لمستحقيها وكان هذا التصرف موضع تقدير وارتياح من عامة الشعب، ومجلس الأمة. 

كان يحضر معنا مستشار من الفتوى والتشريع، فقال لي، وقت فراغك تعالي إلى الفتوى والتشريع ومقرها قرب مجلس الوزراء على البحر. وفعلت ذلك، ومرت الأيام، وبعدها طلبت من عبد اللطيف البحر مدير المكتب أن يبلغ الشيخ جابر برغبتي في الاطلاع على أعمال الفتوى والتشريع عن قرب ورغبتي في المداومة عندهم لأنهم في المبنى نفسه، وذلك بعد ما سمعته من مندوب الفتوى في لجنة  الأعمال الإضافية أنها، أي الفتوى، مصنع للقوانين. لكن عبد اللطيف البحر رفض نقل رغبتي تلك إلى سموه، وأخبرني أن الشيخ لن يقبل بذلك. فلما أصررت قال لي: اذهبي أنت وانقلي رغبتك إليه. فكنت أذهب هناك، لكني حين أصل إلى باب مكتبه أعود ثانية، مهابة منه، وخجلا من مواجهته. وكررت ذلك مرة أخرى وتراجعت أيضًا. وكان الزملاء يضحكون عليّ في كل مرة.

وفي يوم، كنت أسير في الممر خارجة من مكتبي، وإذا بي في وجه سموه، وهو مغادر مكان العمل. وبعد السلام وسؤاله كعادته عن أحوال من معه، والذين كان دائمًا يقابلهم بوجه بشوش، شجعني ذلك فاستجمعت قواي كلها وأبلغته برغبتي بالانتقال إلى العمل في إدارة الفتوى والتشريع لأنها مصنع القوانين، إذا لم يكن هناك مانع، وبعد موافقته، وأبلغته أنني أحاول اكتساب الخبرة فقط.

فقال لي بالحرف الواحد: لن أحرمك هذه التجربة، وإذا طاب لك المقام وأحببت العمل هناك استمري، وإذا أردت العودة فمكانك محفوظ. لم يكن، رحمه الله، يتردد في مد يد المساعدة لكل عمل يرى أنه يرتقي بالإنسان الكويتي.

 

انتقلت للعمل بالفتوى والتشريع، وعملت فيها لمدة سبع سنوات. وبعد ذلك انتقلت إلى إدارة التنفيذ والعمل التابعة لوزارة العدل بعمل قانوني بحت. وبعد سبع سنوات من العمل تقاعدت وفكرت بأن أنشئ مكتبا للمحاماة. وبدأت بذلك فعلا عام 1987 في شهر رمضان المبارك، بعد أن حلفت بالمحكمة الدستورية وسجلت في جمعية المحامين وحصلت على رقم قيد. وكان ترتيبي بين المحاميات الثانية، حيث كانت لولوة الرشيد هي أول محامية كويتية تفتح لها مكتبا، كما كانت هناك ثلاث محاميات كويتيات يعملن تحت التدريب في مكاتب محامين. وبعد ذلك زاد عدد المحاميات اللاتي فتحن مكاتب محاماة لهن.

بصفتي محامية، فأنا أبذل قصارى جهدي لكي أحصل على براءة موكلي. بعض المواطنين يعتقدون أنني مقصرة عندما يصدر الحكم ضدهم، والبعض الآخر يقنع بالحكم لأن القاضي هو الذي يحكم بعد دراسة الأوراق ودفاع المحامي ومرافعته. وكل قضية لها معالجة. أما تكرار السؤال والمراجعة من أهل المتهم فإنه يضايق المحامي ويزعجه؛ فالمحامي يعمل ضده محام آخر، ولكل واحد منهما رأيه ودفاعه. بعض المتهمين لا يصارح المحامي، ويمكن أن يخفي نصف الحقيقة عن المحامي، فنفاجأ بالأوراق الرسمية وبعد تصوير الأوراق أن الكلام الذي قاله الموكل غير الكلام المدون بالأوراق. وأحيانا تفاجأ بأن المحامي الثاني يقدم ضدك أوراقا، وتفاجأ بطول المدة للقضية في المحكمة. وقد يكون الاتفاق بمبلغ بسيط، ولكن مع طول الوقت تدفع أتعابا أكثر عليها، لأن جميع العاملين لهم رواتب، لذلك يجب أن يعرف الموكل أن المحامي قد يطلب زيادة عن المبلغ المتفق عليه بسبب طول مدة القضية.

عملنا شاق ومتعب، وقد يؤثر على المحامي ونفسيته. لكني مع كل ما لقيته من ضغوط في العمل، لم أجد ضغطا في البيت والحمد لله؛ فأولادي وقفوا بجانبي، وهم محامون يعملون معي.

 

إن نجاح المرأة الكويتية كان بمساندة القياديين في الكويت للبنت المثقفة المتعلمة العاملة، فوزارة التربية أرسلت بعض العاملات والطالبات في رحلات إلى القاهرة للدراسة هناك. والدولة تشجع دائما تعليم البنات.

مواضيع مرتبطة