الإفتتاحية

فايروس كورونا.. القوة القاهرة وسياسة التأمين المحامية . أريح عبد الرحمن حمادة

في ظل الهجمة الوبائية لفايروس كورونا الجديد المتطور بشكل سريع ومخيف على العالم، يتعين على الشركات والمصارف والمؤسسات المالية والمصانع أن تكون مستعدة لآثارها المالية والقانونية المتوقعة على أعمالها لما لهذا الوباء من آثار سلبية واضطرابات اقتصادية كبيرة على العالم بشكل متزايد؛ فالخسائر لن تكون مقتصرة على الأرواح فقط.
 
العالم معتمد بشكل كبير على الصناعة الصينية، ومع إغلاق المصانع الصينية للحد من انتشار فايروس كورونا، كيف سيتم تغطية احتياجات ومتطلبات الأسواق العالمية في المرحلة القادمة؟
 
تثير هذه الاضطرابات الجديدة قضايا قانونية مهمة. وعلى الرغم من أن الوضع يتطور بسرعة. إلا أنه ما زال هناك وقت لأصحاب الشركات التجارية لاتخاذ خطوات استباقية للتخفيف من تأثير فيروس كورونا على موظفيهم وأعمالهم التجارية والاستثمارية؛ حيث ينبغي تكييف أعمالهم ووضع التدابير الوقائية والعلاجية للحد من المخاطر القانونية.
 
يتعين في البداية تحديد المخاطر القانونية المقبل عليها عالم المال والأعمال. وحسب وجهة نظري أجدها وفقاً للتالي:-
 
1)القوة القاهرة وتأثيرها على الالتزامات التعاقدية.
 
2) التأثير القانوني والمالي على هياكل رأس المال.
 
3) التأثير القانوني والمالي على القروض والائتمان.
 
4)التأثير القانوني على حقوق الموظفين وسلامتهم الصحية.
 
5) تغطية شركات التأمين لمخاطر كورونا.
 
6) القدرة على التسويق لصفقات جديدة.
 
7) انقطاع الموظفين عن العمل بسبب الحجر الصحي أو القيود المفروضة على السفر من قبل الحكومات.
 
تغيير البيئة الاقتصادية:
 
تفشي وباء فايروس كورونا أجبر العديد من الشركات في جميع أنحاء العالم على تبني طرق واستراتيجيات جديدة للعمل.
 
وعالم المال اليوم بحاجة إلى الاستعداد وتوفير الكثير من التفاصيل والخصوصية حول تأثير فايروس كورونا على الاقتصاد العالمي والعواقب القانونية المترتبة عليه بسبب الالتزامات القانونية التعاقدية على الشركات التجارية بعد تفشي وباء فايروس كورونا؛ حيث أدى ذلك إلى التأثير بشكل خطير على العمليات التجارية في جميع أنحاء العالم. والحكومات تعمل على حماية مواطنيها في الداخل والخارج؛ لذلك تهدد هذه الإجراءات بإحداث انقطاع للموظفين عن العمل ما سيعود بالضرر على استمرارية الأعمال التجارية سواء بسبب الحجر الصحي أو الحجر المنزلي أو القيود التي فرضتها الحكومات على السفر والتنقل بين الدول وإغلاق الحدود، ما أدى إلى إحجام الكثير من الناس عن السفر.
 
 
 
في 30 يناير أعلنـت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ العالمية لفايروس كورونا؛ ما أدى إلى إلغاء الفعاليات الكبرى في العديد من البلدان، وساهم أيضاً في تقليص العديد من الشركات الدولية لعملياتها التجارية منذ اندلاع هذا الوباء. ومثال على ذلك فقد أعلنت تويوتا وقف إنتاجها.
 
وقد أدى كل ذلك أيضاً إلى توقف المئات من المصانع في الصين عن العمل وبالتالي تعطيل الإنتاج وقطع الغيار و من ثم تعطل الحركة والعمل و بالتالي انخفاض ملحوظ في الاستهلاك والضغط على الشركات الدولية في العديد من القطاعات بما في ذلك التعليم والطيران والسياحة والتجارة والضيافة والاستثمار والشحن وغيره؛ ما يترتب عليه عواقب مستقبلية قانونية واقتصادية.
 
قد تضطر الشركات إلى مواجهة مخاطر الأمن السياسي والاقتصادي والقانوني، وقد يؤدي انتشار الوباء لفترة طويلة إلى اضطراب اقتصادي وإلى إثارة السخط العام في العديد من الدول ما قد يسبب خنق الابتكار وفشل النمو.
 
إغلاق التصنيع الصيني سيكون له تأثير سلبي على سلسلة التوريد العالمية، إلى جانب التأثير المترتب على مشاريع البناء والصناعات التحويلية والبنية التحتية الأخرى؛ ما يسبب اضطرابا ماديا واقتصاديا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر على الأسواق الأخرى، بما في ذلك أسواق السلع الأساسية (الحديد والنحاس وتجارة التجزئة والنقل والصناعة وكذلك قيود السفر) وذلك كله سيكون له تأثير بشكل كبير على الأنشطة التجارية والبناء والتشغيل بالإضافة إلى قطاع الشحن سواء من حيث تعطيل الرحلات أو إغلاق الحدود أو التأخير نتيجة الفحوصات الصحية والفنية التي تتم في الموانئ أو بسبب قرارات الحكومة في إغلاق الحدود أو بسبب الحجر الصحي للحالات المشتبه فيها بين الطاقم أو الركاب على متن السفن والذي ينتج عنه بالتالي التأخير في تسليم البضائع، وهذا كله يؤدي إلى عواقب باهظة التكلفة وآثار لوجستية وتأمينية كبيرة. لذلك لا بد من وضع العديد من الخطط الاستراتيجية لضمان استمرارية العمل.
 
القوة القاهرة وآثارها على الالتزامات التعاقدية
 
ينبغي على الأطراف المتضررة إعادة النظر في عقودهم فيما إذا كانت تنص على شروط القوة القاهرة وما إذا كان فايروس كورونا يندرج ضمن الحماية القانونية التي يوفرها البند المعني بالأوبئة أم لا.
 
حيث تعرف القوة القاهرة بشكل عام أنها ظروف غير متوقعة وخارج نطاق سيطرة الأطراف المتعاقدة المعقولة والتي في حال حدوثها يتوقف أداء الالتزامات التعاقدية.
 
بعض أحكام القوة القاهرة واسعة تصف أحداثا معينة خارجة عن السيطرة والمعقولة، وبعضها ضيقة حيث تصف فقط أحداثا معينة.
 
بعض شروط القوة القاهرة تعفي من أداء الالتزامات التعاقدية إذا كان منع الأداء مستحيلاً. ووفقاً لذلك، فإن بعض شروط القوة القاهرة قد لا تعفي التزامات الطرف إذا ظل الأداء ممكناً، لكنه يصبح أكثر صعوبة مالياً بحيث يتطلب من أحد الأطراف تحمل المزيد من المخاطر.
 
تقدم مرحلة تنفيذ العقود أحد أهم المراحل في سياق الوفاء بالالتزامات التي قررت في أحكام العقد وكترجمة لحسن نية المتعاقدين. غير أنه أحياناً قد تحدث مفاجآت تحول إما دون تنفيذه أو أنها قد تجعل من تنفيذه مسألة صعبة ومرهقة بالنسبة لأحد أطراف العقد.
 
مدى تأثير الظروف الطارئة والقوة القاهرة على مسار تنفيذ العقد و هل الوباء يدخل من ضمن القوة القاهرة ؟ يعتمد ذلك على صياغة بند القوة القاهرة في العقد في حال تم اضافة الأوبئة أم لا  و غالبا ما تكون العقود مقتصرة فقط على الزلازل و الحرائق و غيره من حالات الكوارث أما فيما يتعلق بالوباء و الامراض السارية فان لم تكون مضافة في بند القوة القاهرة فيكون العقد نافذ و لكن في حالة تم الاتفاق على اضافة الأوبئة و الأمراض السارية هنا يصبح من حق الطرف المتضرر ان يتمسك بهذا البند لوقف تنفيذ العقد . 
 
تعتبر العقود هي الأداة القانونية الأكثر استهلاكا في المجال التجاري. وفي حال انعقد العقد انعقادا صحيحا فإنه يلزم طرفيه بتنفيذ العقد وفقاً لمضمونه. وهو ما يعبر عنه بالقوة الملزمة للعقد. ولكن أحياناً يواجه تنفيذ العقود عدة صعوبات تجعل تنفيذها صعبا أو عسير ا على أحد المتعاقدين أو يستحيل تحققه بسبب حالات استثنائية كالظروف الطارئة أو القوة القاهرة.
 
توقف الأعمال التجارية وتغطية التأمين:
 
هل يغطى التأمين أضرار كورونا على الأعمال التجارية المتضررة؟
 
على الصعيد المحلي، فالشركات التجارية الكبيرة فقط هي التي تهتم بالتعاقد مع شركات التأمين ولكن أغلب الشركات التجارية لا تهتم كثيراً بمسألة التأمين بما فيهم المشروعات الصغيرة أيضاً لأن أغلبهم يعتمدون بشكل عام على الدعم الحكومي في الرخاء وكذلك في الأزمات.
 
 
 
بعكس الشركات التجارية العالمية فمسألة التأمين هي من المسائل الهامة التي تحرص الشركات على وجودها. والعديد من الشركات لديها تأمين ضد انقطاع الأعمال ولكن عادة يكون التأمين متعلق بالخسائر والأضرار الناجمة عن الأحداث الكارثية مثل الأعاصير والزلازل والحرائق وليس الأوبئة.
حيث تحرص شركات التأمين في سياستها على استبعاد الأمراض المعدية بما في ذلك انقطاع الأعمال وتوقفها إلا في حالات استثنائية إن كان هناك بند واضح وصريح على عدم استبعاد الأوبئة في عقد التأمين المبرم ما بين شركة التأمين والشركة التجارية. وفي هذه الحالة يكون هناك مجال للمفاوضات حول ما إذا كان فايروس كورونا من ضمن الأوبئة التي تدخل في التأمين أم لا.
تلقت بعض شركات التأمين في الصين عدداً قليلاً من المطالبات المتعلقة بفايروس كورونا. إلا أن سياسة التأمين الخاصة بقطاع الأعمال تنجم عن الأضرار المادية للممتلكات وبالتالي لن يتم تغطية الأضرار الناتجة عن إغلاق المصانع وإيقاف العمل بسبب تفشي مرض كورونا لأن سياسة التأمين لا تغطي الأضرار والخسائر بسبب التوقف عن العمل.
 
لذلك فالصياغة الدقيقة في العقود هي المفتاح الأساسي لضمان الحماية الكافية من عقود الشركات التجارية، سواء المتعلقة ببند التأمين أو القوة القاهرة.
 
وختامًا فإننا نوصي بما يلي:
 
ضرورة قيام الشركات التجارية بتقييم مخاطرها القانونية والمالية؛ فهذا هو الوقت المناسب لوضع خطط للتصدي لجميع المخاطر المتوقعة في المستقبل. فبالنسبة للشركات التي تواجه احتمال عدم القدرة على الأداء بموجب العقود الحالية، فإن قيامها بخطوات استباقية كالمراجعة القانونية للعقود ذات الصلة والتواصل المبكر مع الطرف الآخر أمر بالغ الأهمية.
ضرورةتأسيس فريق قانوني متخصص بالجانب الاقتصادي لوضع حلول وخطط قانونية استباقية لمواجهة المخاطر والأضرار والخسائر المقبلة عليها الدولة مستقبلاً. لوضع حلول جذرية بدلا من الحلول الحالية بتأجيل الأقساط، خصوصا أننا لا نعلم متى ستنتهي هذه الأزمة؛ فمن غير المنطقي أن يتم تأجيل أقساط المدينين إلى أجل غير مسمى.
 

 

مواضيع مرتبطة