رؤية الخبراء

استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات لأغراض إجرامية المحامي . د. محمد ناصر محمد العتيبي

التطور الحديث والهائل في مجال التكنولوجيا والاتصالات والإنترنت أحدث الكثير من التغيير في سلوك البشرية بشتى المجالات الاقتصادية والسياسية والعلمية، وذلك كون تكنولوجيا المعلومات مكنت الأفراد من إنشاء علاقات تجارية بشكل سريع ودون حواجز جغرافية لتتعدى علاقاتهم أقاليم الدول وسيادتها وتعبر فوق المحيطات والقارات وبأقل من الثانية تعقد العقود التجارية ويتم الشراء والبيع والنقل وبوقت قياسي وبدون استخدام مواد كالأحبار والورق.

ومثال لما أحدثته تكنولوجيا المعلومات من تطور هو البريد المكتوب فمن يتتبع من الباحثين في شأن تطور الرسائل سوف يجد الرسائل تنتقل سابقا بشكل بدائي ولمدة زمنية تصل لعدة شهور، وفي التاريخ الحديث وقبل 100 سنة كانت تنتقل الرسائل من أستراليا الى المملكة المتحدة خلال مدة أشهر، وبعد بداية الطيران الميكانيكي وبداية ازدهار النقل الجوي أصبح البريد المكتوب يصل للمملكة المتحدة خلال أيام، إلا أنه في عصرنا الحالي أصبحت مدة انتقال البريد مكتوب (email) في أقل من الثانية! دون حاجة لميكانيكا الطيران أو السفن.

ورغم هذا التطور الهائل في حياتنا إلا أنه نتج عنه تحديات قانونية في شأن تحقيق العدالة، بل أزعم أنها تحديات خطيرة وتهدد التجارة والأمن والسلم الاجتماعي، وتحتم كذلك تعاون الدول في شأن العدالة ولا مجال هنا لأي دولة أن تقف موقف سلبي من مخاطر تكنولوجيا المعلومات.

وبما أن الإنسان هو المسيطر أو المستخدم لتكنولوجيا المعلومات وهو من يتحكم بالعالم الافتراضي فمن البديهي أن تنتقل ظواهره الإنسانية من العالم الحقيقي الى العالم الافتراضي وبالأخص ظاهرة الجرائم.

وهنا جانب آخر من جوهر هذا المقال وتحدي آخر للعدالة في ذلك العالم الافتراضي، هي مسألة الجرائم التي ترتكب من خلال تكنولوجيا المعلومات بصورها المختلفة سواء كانت احتيال أو ابتزاز أو تهديد أو غيرها من الجرائم.

 مما يحتم علينا طرح السؤال الآتي: كيف لنا أن نضمن تحقيق العدالة الجنائية للمجني عليه بعدم إفلات الجاني من العقوبة؟ وهل الدول لديها استعداد حقيقي في التعاون سيما وأن اغلب تلك الجرائم هي عابرة لحدودها؟

ولعلنا نجد إجابة عن هذا السؤال لدى الأمم المتحدة باعتبارها منظمة دولية معنية بالعلاقات الدولية بالدرجة الأولى وبكل جوانب تلك العلاقات سواء ما يتعلق بحقوق الإنسان والتجارة الدولية والسلم الدولي، وكذلك تعاون الدول في مكافحة الجرائم بأنواعها وخصوصا ذات الأثر المتعدي لأقاليم الدول.

وبالنظر لانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الثلاث وسبعون والتي أصدرت قرارها رقم ٣/١٨٧، المعنون "مكافحة اســــــتخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصــــــالات للأغراض الإجرامية". وفي ذلك القرار، طلبت الجمعية العامة إلى الأمين العام أن يلتمس آراء الدول الأعضــاء بشــأن التحديات التي تعترضــها في مجال مكافحة اســتخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصــالات للأغراض الإجرامية، وأن يقدم تقريراً يستند إلى تلك الآراء إلى الجمعية العامة لكي تنظر فيه في دورتها الرابعة والسبعين.

واستجابة لتلك الدعوات قدمت الدول الأعضاء آرائها في هذا الشأن ونوجز لكم تلك الآراء وما تضمنته من تحديات حقيقية تتعرض لها الدول بسبب استخدام تكنولوجيا المعلومات لأغراض إجرامية كالآتي:

  1. انخفاض مســــتويات الوعي لدى الســــكان ولدى المنظمات. يتمثل أحد الجوانب الأســـاســـية لمكافحة الجريمة في الجانب المتعلق بمنع الجريمة. وفي مجال الجريمة الســـيبرانية، يرتبط منع الجريمة ارتباطاً مباشــــراً بنشــــر الوعي، بين الأفراد والمنظمات، حول المخاطر والتهديدات المتعلقة باستخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات.

  2. ضرورة تفاهم الدول وتعزيز الثقة بينها في شأن تبادل الخبرات التقنية للحد من التحديات التي تمثلها الجرائم الســـيبرانية المعقدة والآخذة في التطور، ويتطلب التصـــدي لها تعاون الخبراء التقنيين المتخصصين في الجريمة السيبرانية.

  3. الصـــــعوبات في التحديث المستمر للتشريعات الداخلية للدول فيما يتعلق بالتقدم التكنولوجي. سواء من ناحية القانون الجنائي الإجرائي أو الموضوعي، التي تزداد شدهتا في الدول ذات النظم القانونية المدونة.

  4. التعاون الدولي القضائي في شأن الكشف عن البيانات وعلى ســــبيل المثال، عند الحصــــول على موافقة شــــخص مخول بالصــــلاحية القانونية للكشــــــف عن البيانات، أو متى كانت المعلومات متاحة للجمهور. وتفرض القيود، بما في ذلك طلب موافقة ســــــلطات الدولة، تحديات كبيرة أمام التحقيق في الجرائم السيبرانية وملاحقة مرتكبيها قضائيًّا، وتجهد آليات التعاون القانوني الدولي التقليدية، مثل المســــــاعدة القانونية المتبادلة، لمواكبة الطلب، مما يتســبب في تأخر التحقيقات في الجرائم الســيبرانية.

  5. الصعوبات في جمع الأدلة الرقمية هو التحدي الأكبر أمام الملاحقة الجنائية. ومنها الوصـــول إلى الأدلة الرقمية عبر الحدود. تتمثل الصـــعوبة الرئيســـية التي صــودفت في معظم الحالات في أن البيانات التي تُشــكل أدلة تكون موجودة في ولاية قضــائية لدولة أخرى عن تلك التي تُتخذ فيها الإجراءات الجنائية، وأن هذه البيانات تكون، في جميع الحالات تقريباً، في حوزة شركات خاصة.

  6. مســــؤولية القطاع الخاص في استخدام تكنولوجيا المعلومات فهو يضــــطلع بدور أســــاســــي فيما يتعلق بالتحديات التي تفرضــها الجريمة الســيبرانية. وتتضــمن مســؤولية الشــركات جوانب مثل مكافحة ومعالجة ما يهدد البيانات من أوجه ضـعف تنطوي عليها المنصـات والأجهزة واسـتخدام شـبكات التواصل الاجتماعي للأغراض الإجرامية.

  7. وفيما يتعلق بملاحقة مرتكبي الجرائم تواجه الأجهزة القضائية تحديات في الوصــول إلى البيانات والحصــول عليها لمتابعة التحقيقات والملاحقات القضـــــائية المتعلقة بالجرائم الســـــيبرانية، فقد كانت البيانات سابقة تخزن داخل البلد وتتاح وفق إجراءات قانونية وموافقة قضائية. أما في الوقت الحاضـــر وتزايد الاعتماد على نظم الحوســـبة الســـحابية فإن البيانات توزع على مجموعـة متنوعـة لدى مقدمي الخـدمـات لدى طول أخرى وقد يصعب تحديد مكان البيانات ويتعذر الحصول عليها إلا من خلال عمليات تعاون قانوني دولي معقدة وبطيئة.

  8. تزايد المخاطر من اســتخدام الأجهزة "الذكية" المنخفضــة التكلفة نســبيًّا والتي تتيح الوصـــول إلى الإنترنت دون مراعاة الحد الأدنى من مســـتويات الأمن يزيد من أســـباب الهجمات المحتملة ونطاق الجريمة السيبرانية. وتستلزم مواجهة هذا التحدي تطبيق الدول لسياسات يكمل بعضها بعضاً واتباع الشركات لاستراتيجيات في شأن تشفير البينات وإعادتها.

  9. مكافحة وجود أماكن آمنة لمرتكبي الجرائم السيبرانية، وزيادة قدرات السلطات القضائية على الصعيد الدولي في إجراء تحقيقات فعالة في الجرائم السيبرانية وملاحقة مرتكبيها وإدانتهم.

  10. اقتراح تدابير وقائية تحد من تلك الجرائم، وعلى سبيل المثال توثيق هوية المستخدم وموفر الخدمة وغيرها.

  11. دعم إنشاء فضــاء ســيبراني مفتوح وآمن ومســتقر وميســر وســلمي يكون فيه القانون الدولي منطبقاً، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان وبشكل خاص سرية مراسلاته الشخصية وضمان حرية التعبير.

  12. التحدي الدائم المتمثل في التكيف مع التكنولوجيات الجديدة، ولا سيما العملات المشـفرة، التي تخضـع لتنظيم جزئي فقط، مما يؤدي إلى مخاطر كبيرة تتمثل في إخفاء هوية أصـحاب التدفقات المالية وصناعة الشبكات الخفية وجرائم غسيل الأموال. بما في ذلك الشبكة الخفية، ومن أجل إيجاد أســـواق على الإنترنت للبيانات المسروقة.

  13. تطوير الإمكانيات التقنية اللازمة لإجراء التحقيقيات الرقمية، بمــا في ذلــك توفير موظفين ذوي المهــارات المهنيــة الوافيــة في تكنولوجيــات المعلومــات وتدريب الموظفين العاملين في الأجهزة القضائية ذات العلاقة بهذا النوع من الجرائم وتزويدهم بأدوات التحليل الجنائي الحاسوبية.

  14. إيجاد تعريفات قانونية موحدة ومنضبطة للجرائم من هذا النوع تقبل بها أغلب الدول ولكي نعزز الثقة في التعاون الدولي ولدرء أي تباين تثيره تلك التعريفات بين الدول مستقبلا.

وبناء على ما سبق نود أن نشير أن جميع تلك النقاط لم تكن توارد خواطر أو تدفق أفكار كاتبها، بل هي آراء صادرة من دول متعددة ورسمية وموثقة ومقدمة للأمين العام للأمم المتحدة، وهي التي تجيب على سؤالنا في بداية المقال حول حجم التحديات والمخاطر التي تواجهها تلك الدول بسبب استخدام تلك التكنولوجيا للأغراض الإجرامية.

وختاما وفي ضل تلك الثورة الهائلة من المتغيرات في حياتنا والتي تحدثها لنا تكنولوجيا المعلومات أضحى لزاما لا مفر منه التعاون الدولي الفعال لحماية التجارة الدولية والعلاقات الإنسانية بين سكان هذه المعمورة ولتحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان وملاحقة مرتكبي الجرائم، كي لا تعصف الفوضى بحقوق وأموال الأفراد والشركات في كل إقليم وكل دولة.

مواضيع مرتبطة