مقالات

وابتدت العلاقات الخارجية للكويت مع الدول الأوربية باحث في التراث الكويتي . فهد غازي العبد الجليل

كان الغوص على اللؤلؤ وصيد الأسماك هما المصدر الأساسي للرزق في الكويت عند نشأتها. وقد عرف الكويتيون في نهاية القرن الثامن عشر السفر الشراعي وامتلكوا السفن الشراعية السفارة، فوصلوا بها إلى سواحل الهند الغربية وسواحل أفريقيا الشرقية، وأصبح ميناء الكويت الواقع في شمال الخليج مركزا تجاريا مهما وحلقة وصل بين الهند وحلب وتركيا وأوروبا. وساعد الموقع الجغرافي المميز للكويت على اكتسابها أهمية تجارية منذ زمن بعيد، وأصبحت منفذا طبيعيا لشمال شرق الجزيرة العربية. كما ساعدها هذا الموقع أيضا على أن تكون محطة للقوافل التجارية بين نجد وحلب.

وبدأت العلاقات الخارجية للكويت مع الدول الأوروبية منذ قيام المستعمرة الهولندية في جزيرة خرج في منتصف القرن الثامن عشر في عهد أول حكام الكويت الشيخ صباح الأول. وبعد انتقال شركة الهند الشرقية الإنجليزية إلى الكويت من البصرة في عام 1775 بدأت العلاقات التجارية الكويتية البريطانية الهندية، ووصل الكويتيون إلى الهند بسفنهم الشراعية السفارة، وأصبح بعدها ميناء الكويت القديم من أهم الموانئ في المنطقة في عهد حاكم الكويت الثاني الشيخ عبدالله الصباح.

ومع تطور النشاط التجاري في الكويت كان وجود الكراني (المحاسب) ضروريا لتنظيم الحسابات ومسك الدفاتر؛ لأن تجار الكويت كانوا يستخدمون الدفاتر في تسجيل عملياتهم التجارية في الغوص والسفر الشراعي ... إلخ، ما ساعدهم في تنظيم أمورهم المالية ومسك الدفاتر وتقييد الحسابات.

ومن الدفاتر التي استخدمها التجار لتسجيل معاملاتهم التجارية دفتر الخرطوش، حيث كانت تقيد به جميع العمليات التجارية النقدية أو بالأجل. وهناك كذلك دفتر الذمم، وهو الدفتر الذي تنقل إليه جميع العمليات التجارية التي تكون على الحساب من دفتر الخرطوش. وتطورت الدفاتر التجارية وطرق تقييد الحسابات بعد ظهور الدوائر الحكومية في بداية القرن العشرين بتأسيس دائرة الجمارك في عهد الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت السابع. وكانت هذه الدائرة تمول خزينة الدولة بشكل رئيس، وكذلك كانت تمول الدوائرالحكومية المختلفة التي أسس أغلبها في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت العاشر في عشرينات وثلاثينات وأربعينات القرن المنصرم.

 ولعبت هذه الدوائر في تلك الفترة دورا كبيرا في إدارة شؤون البلد؛ فقد تأسست دائرة البلدية عام 1930 وترأسها الشيخ عبدالله الجابر الصباح رحمه الله. وكان للرسوم والعمولات التي كانت تفرضها دائرة البلدية دور في تمويل موازنة الدولة قبل النفط. وفي عام 1936م أُنشِئ أول مجلس للمعارف بالكويت، وكان الغرض من إنشائه تنظيم التعليم في الكويت وتطويره. وكان مجلس المعارف في بادئ الأمر هو المسؤول عن تمويل التعليم بعد أن كان يعتمد على التبرعات والهبات، فأمر بعدها الشيخ أحمد الجابر باستقطاع نسبة من الجمارك لتمويل التعليم في الكويت. وللعلم، كان يترأس دائرة المعارف عند تأسيسها الشيخ عبدالله الجابر الصباح.

 وأنشئت دائرة الصحة عام 1936 م، وبدأت بتقديم الخدمات الطبية في الكويت، منها تأسيس مستوصف حكومي عام 1939 يضم عدة غرف لعلاج الرجال والنساء، بالإضافة إلى صيدلية. وفي عام 1949 م أنشئ أول صرح طبي حكومي بارز وهو المستشفى الأميري قبل وفاة الشيخ أحمد الجابر الصباح رحمه الله بسنة واحدة. وفي عام 1938 تأسست دائرة المالية، حيث كانت في البداية بإشراف المجلس التشريعي الذي كان مسئولا عن تنظيم الميزانية العامة والإنفاق العام وفق قانون الصلاحيات الصادر في عام 1938م. وعين المجلس التشريعي مشعان الخضير أول رئيس لهذه الدائرة لمدة سنة واحدة. وبعده ترأسها الشيخ عبدالله السالم لمدة سنة كذلك. وفي عام 1940 ترأس الشيخ أحمد الجابر الصباح دائرة المالية إلى وفاته عام 1950. وأسست دائرة محاسبة الغواصين عام 1939، وكان المرحوم عبد المنعم عيسي السالم هو المسئول عنها. ومهمة هذه الدائرة تنظيم العلاقة بين النواخذة والبحارة والغواصين. وفي عام 1949 أنشئت دائرة الأوقاف العامة في الكويت لتشرف إشرافاً صحيحاً على مساجد الكويت وأوقافها الخيرية وصيانتها. وترأس هذه الدائرة الشيخ عبدالله الجابر الصباح رحمه الله، فشكل مجلساً للأوقاف العامة من الشخصيات الكويتية البارزة في تلك الفترة. وتأسست دائرة الشئون الاجتماعية والعمل في عام 1954، وقدمت هذه الدائرة الخدمات الاجتماعية للمواطنين، وكذلك دربت الفتيات في مراكز مخصصة، وأقامت داراً لرعاية المسنين عام 1957م، وأجرت أول تعداد رسمي لسكان الكويت عام 1957م، وقد بلغ عددهم آنذاك 206 ألف نسمة.

 ويتضح لنا أن أغلب الدوائر تأسست في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح. إلا أن عهد الشيخ عبدالله السالم، أي خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي، شهد تأسيس العديد من الدوائر المهمة.

الغوص علي اللؤلؤ:

مهنة الغوص على اللؤلؤ من المهن القديمة التي زاولها الكويتيون منذ نشأة الكويت إلى ظهور البترول. وهذه الحرفة كانت مصدراً للرزق لسكان الكويت وذلك لقلة الموارد الاقتصادية المتاحة. كما كان حاصل بيع اللؤلؤ موردا اقتصاديا لهؤلاء السكان مكنهم من الحصول على لقمة العيش. وأصبح الكويتيون الرواد الأوائل لهذه الحرفة وبرعوا فيها براعة فائقة، واكتسبوا خبرات كثيرة. وامتلكت الكويت أسطولاً كبيراً من سفن الغوص؛ منها البتيل والبقارة والسنبوك والجالبوت والشوعي وبوم الغوص. وفي فترة مبكرة من تاريخ الكويت وصل حجم أسطول سفن الغوص في الكويت في عهد الشيخ مبارك الصباح إلى أكثر من 800 سفينة، ووصل حجم سفن النقل التجاري إلى أكثر من 400 سفينة.

 والغوص عدة أنواع، منها:

  1. الخانجية

ويكون في شهر أبريل، حيث يذهب عدد من سفن الغوص الصغيرة إلى مغاصات اللؤلؤ القربية من الكويت.

  1. موسم الغوص الكبير

تذهب سفن الغوص الكبيرة والصغيرة في هذا الموسم وبأعداد كثيرة لمغاصات اللؤلؤ البعيدة، ويبدأ الغوص الكبير في أول شهر يونيو وينتهي في أول شهر أكتوبر، حيث يكون القفال بعدها.

  1. الردة:

ومعناها العودة مرة أخرى للمغاصات بعد انتهاء موسم الغوص في الكويت.

  1. الرديدة:

ويكون في شهر نوفمبر والمياه شديدة البرودة، وغوص الرديدة مكانه قرب السواحل، ومدته قصيرة، ولا يشارك النوخذة الغيص بمحصول الغوص في الردة ولا تكون هناك سلفة تقدم للبحارة كذلك.

القفال:

وهو الاسم الذي يطلق على انتهاء موسم الغوص في شهر أكتوبر، وهو تاريخ انتهاء فترة الغوص الكبير؛ حيث يأمر أمير الغوص بالقفال عند تساوي الليل والنهار، ويبدأ القفال بإطلاق أمير الغوص ثلاث طلقات من سفينته يرفع بعدها علم الكويت، وبعد ذلك ترفع أشرعة السفن ويبدأ بعدها النهامون بالغناء فرحاً.

السفر الشراعي:

بدأت العلاقات التجارية بين الكويت والهند منذ انتقال شركة الهند الشرقية الإنجليزية من البصرة إلى الكويت عام 1775م بعد حصار الفرس للبصرة. ويرجع انتقال الوكالة إلى الكويت لعدة أسباب؛ منها الموقع الجغرافي الملائم في الطرف الشمالي من الخليج العربي الواقع بين عدد من الموانئ والبلدان التجارية المهمة، مثل القطيف والبصرة، وموانئ الساحل الشرقي، مثل بوشهر ولنجة، وكذلك امتلاك الكويت لميناء يصلح لرسو السفن وإبحارها، ويعتبر هذا الميناء من أهم المنافذ البحرية للمحيط الهندي. ومن العوامل التي ساعدت على تبوء الكويت مكانة اقتصادية كبيرة، امتلاكها لأسطول ضخم من السفن الشراعية السفارة، بالإضافة إلى المكانة المرموقة للتجار الكويتيين بين تجار المنطقة؛ حيث نهضوا بالعمل التجاري في وطنهم واضعين بذلك أساسا متيناً للنظام الاقتصادي القديم في الكويت. وكان لانتقال شركة الهند الشرقية الإنجليزية أثر إيجابي كبير وواضح على اقتصاد الكويت؛ لأن السفن الكويتية الشراعية وصلت إلى موانئ الهند الغربية عبر بحر العرب ناقلة إليها التمور والخيول العربية الأصيلة واللؤلؤ الطبيعي، وتجلب منها البضائع الهندية المختلفة مثل الشاي والقهوة والسكر والتمر الهندي (الصبار) والأرز والبهارات والأخشاب والأقمشة وغيرها من البضائع والحاجات الضرورية. وتتنوع الأعمال والبضائع التي يتاجر فيها تجار الكويت مع الهند، ويأتي في مقدمتها التمور التي تصدر من أملاك الكويتيين إلى بومباي وموانئ الهند الأخرى لتباع هناك. وقد قام التجار الكويتيون بدور كبير في تسويق اللؤلؤ الطبيعي في الهند واستيراد السلع والبضائع الهندية وتوزيعها على سوق الكويت وأسواق الخليج العربي، فساهم ذلك في توفير متطلبات الاقتصاد الكويتي في تلك الفترة. وازدهار الحركة التجارية بين الكويت والهند، والتبادل الثقافي والاجتماعي بين البلدين جعلا تجار الكويت يفتحون مكاتب تجارية في موانئ شبه القارة الهندية مثل كراتشي وبومباي وكاليكوت وجوا وميناء بور بندر وبراول وغيرها من الموانئ الهندية. ومع مرور الزمن تكونت جالية كويتية كبيرة عرفت باسم الجالية الكويتية في الهند. ولم تقتصر تجارة الكويت على الهند فقط، بل امتدت إلى شرق أفريقيا وعدن وكذلك البصرة وجنوب الجزيرة العربية، لتكون أهم ميناء تجاري في المنطقة.

تجارة القوافل:

اعتاد الكويتيون ممارستها في الماضي، حسب ما ذكره الدكتور إدوارد إيفز، منذ خمسينات القرن الثامن عشر الميلادي، عندما أصبحت الكويت محطة للقوافل التجارية البرية، أو كما ذكر الرحالة الألماني نيبور أن الكويت أصبحت محطة للقوافل التجارية بين بلاد الشام والعراق وشرقي الجزيرة العربية. وتعتبر تجارة القوافل المكمل الرئيس لتجارة السفن؛ حيث تتكون القافلة من مجموعة من التجار يستخدمون عدداً من الجمال والبغال وغيرها من الدواب والتي يتم استئجارها من بعض القبائل التي احترفت مهنة إعداد القوافل بحيث يقومون بمصاحبة القافلة في سيرها وحراستها مقابل أجر يحصلون عليه من التجار. وأشار الدكتور إدوارد إيفز، في كتابه رحلة من إنجلترا إلى الهند، إلى قافلة كبيرة تكونت من خمسة آلاف جمل وألف رجل في طريقها من الكويت إلى حلب، وقد فاوض الدكتور إيفز شيخ الكويت آنذاك لنقل بعض البضائع في هذه القافلة.

 وكانت هناك العديد من الخطوط التجارية التي طرقها الكويتيون، ومنها صحراء الجزيرة العربية والهلال الخصيب، وصولا إلى مصر والسودان عبر العراق وسوريا. كما مرت على الكويت الكثير من القوافل في طريقها من بلاد الشام إلى أوروبا والعكس، وهو ما يعني أن الكويت كانت من أهم مراكز الترانزيت منذ القرن الثامن عشر.

 

مواضيع مرتبطة