رؤية الخبراء

أضواء على قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص في دولة قطر أستاذ القانون العام، كلية القانون - جامعة قطر . د. حسن عبدالرحيم بوهاشم السيد

 

أصدر أمير قطر في 31 مايو الماضي قانون رقم (12) لسنة 2020 بتنظيم الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، المنشور في العدد 10 من الجريدة الرسمية بتاريخ 11 يونيو 2020. ويعد هذا القانون الأول الذي ينظم هذا المجال، بعد أن كانت الشراكة بين القطاعين في قطر تخضع للقواعد العامة الواردة في قوانين عدة. وتعتبر دولة قطر بذلك الدولة الثالثة خليجيًا التي تصدر قانونًا خاصًا لهذا النوع من المعاملات بعد دولة الكويت وسلطنة عمان، كما أن إمارة دبي أصدرت في عام 2015 تشريعًا محليًا ينظم الشراكة بين القطاعين كذلك.

ويسعى المشرع القطري بإصدار هذا التشريع إلى الاستفادة من القدرات الإدارية والفنية للقطاع الخاص وتشجيعه على الاستثمار في مشاريع كانت تنفرد بها، وإيجاد مصادر تمويل متنوعة دون ارهاق الموازنة العامة للدولة. ويعنى هذا التشريع بتنظيم الشراكة بين القطاعين لتنفيذ أو تطوير مشروع، يكون أحد أطرافها جهة حكومية والطرف الآخر شخص معنوي خاص واحد، أو تحالف بين مجموعة من الأشخاص المعنوية الخاصة.

والمشروع الذي يتم تنفيذه عبر الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص تقوم الجهة الحكومية أو إدارة الشراكة بين القطاعين في وزارة التجارة والصناعة باقتراحه، إما من تلقاء نفسها أو بناء على اقتراح من القطاع الخاص. ومن أمثلة هذه المشاريع ما يتعلق بالتعليم والصحة ومشروعات النية الأساسية والطاقة والمياه. ففي مجال الطاقة مثلًا كان مشروع محطة أم الحول للطاقة وتحلية المياه، وفي مجال التعليم مثلًا أُعلن في دولة قطر عن إنشاء 45 مدرسة من خلال الشراكة بين القطاعين لتصميم وبناء وتمويل وصيانة ونقل ملكية المدارس لوزارة التعليم والتعليم العالي.

ولعل من أهم التحديات التي قد تواجه الشراكة بين القطاعين العام والخاص نقص التنظيم وعدم وضوح الهدف وآليات الإشراف والمتابعة وتعقيد الإجراءات وطولها وتبدل القرار السياسي الذي قد يؤدي إلى إلغاء المشروع قبل تنفيذه.

ولضمان ملائمة استخدام طريق الشراكة كأسلوب لتنفيذ مشروع معين يشترط القانون القطري الجديد على الجهة الحكومية إعداد تقرير مبدأي عن فكرة المشروع فإن تم اعتماده من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض وزير التجارة والصناعة، يتم تشكيل لجنة للمشروع، ثم تقوم جهة التعاقد مع هذه اللجنة بإعداد دراسة المشروع التي يظهر فيها المزايا الاستراتيجية والتشغيلية لتنفيذ المشروع ووصفه ومدة عقد الشراكة ومهام كل طرف والخطة التفصيلية لتنفيذ المشروع وتقرير التكلفة الرأسمالية، وتحديد الجهة التي تتولى الإشراف على تنفيذ عقد الشراكة وغيرها.

وقد عدد القانون القطري الأنظمة التي يمكن للشراكة أن تخضع لأحدها منها تخصيص أراض عن طريق الايجار أو الترخيص بالانتفاع لتطوير أراض، ومنها نظام (B . O . T)، أو نظام (B . T . O)، أو نظام (B . O . O. T)، أو نظام التشغيل والصيانة (O . M) ، أو أي نظام آخر يعتمده مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير التجارة والصناعة.

وبين القانون أهم الجوانب التي يجب أن يتضمنها عقد الشراكة، والتي منها طبيعة ونطاق الأعمال أو الخدمات التي يجب أداؤها وملكية أموال وأصول المشروع، ووسائل ضمان الجودة وأدوات الرقابة والإشراف والمتابعة المالية والفنية والإدارية لتشغيل المشروع واستغلاله وصيانته. ومدة العقد وتنظيم قواعد استرداد المشروع عند انتهاء مدة العقد. كما أوجب القانون أن يتضمن العقد تحديد سعر المنتج أو مقابل إداء الخدمة التي يقدمها المشروع واسس وقواعد تحديده أو تعديله بالزيادة أو النقصان.

وينص القانون القطري على أن تنفيذ المشروع يتم من خلال تأسيس شركة تسمى (شركة المشروع)، يجوز لجهة التعاقد مشاركة صاحب العطاء الفائز في تأسيس هذه الشركة، وفي حال عدم رغبتها يقوم صاحب العطاء الفائز بتأسيس الشركة التي يكون غرضها الوحيد تنفيذ المشروع. كما يمكن لجهة التعاقد التصريح لصاحب العطاء الفائز بتنفيذ المشروع دون تأسيس شركة، إذا كانت لديه القدرة على تنفيذ المشروع بوضعه القائم وبإمكانياته المالية والفنية المتوفرة. وهنا يجب عدم الخلط بين عقد الشراكة الذي يكون بين الجهة الحكومية وصاحب العطاء الفائز لتنفيذ وتمويل الأعمال أو تقديم الخدمات، وشركة المشروع وهي شركة صاحب العطاء الفائز الذي ينفذ المشروع أو الشركة التي يؤسسها لتنفيذ المشروع.

ويجيز القانون منح حوافز مالية أو ضريبية لمقدم العطاء الفائز أو لشركة المشروع ومنح أي دعم حكومي في شكل ضمانات أو غيرها. كما يجيز لشركة المشروع بعد موافقة جهة التعاقد وتقديم الضمانات الكافية للحصول على قرض من المصارف العاملة داخل الدولة أو خارجها بضمان حقوقها التعاقدية واصولها. كما يجيز القانون لرئيس مجلس الوزراء بناء على اقراح الوزير إعفاء شركة المشروع من كل أو بعض القيود المفروضة بموجب القوانين على الشركات المملوكة لغير القطريين، بما في ذلك تملك العقارات أو الانتفاع بها أو استئجارها. 

ومدة عقد الشراكة يتم الاتفاق عليها بين الطرفين بحيث لا تزيد على ثلاثين عامًا كأصل عام، ولم يحدد المشرع القطري الحد الأدنى لمدة العقد بخلاف تشريعات أخرى كالتشريع المصري الذي بين بأنها لا تقل عن خمس سنوات. وبعد انتهاء عقد الشراكة تؤول إلى الدولة ملكية المشروع ومنشآته وكافة مستلزماته دون مقابل أو تعويض ما لم يتفق في عقد الشراكة على خلاف ذلك.

ومن جانب آخر نجد المشرع يجيز لجهة التعاقد الانهاء المنفرد للعقد على أن تحدد حالات الإنهاء في العقد وتبين الالتزامات المالية المترتبة على استخدام هذا الحق. كما يجيز المشرع لجهة التعاقد حق تعديل شروط البناء والتجهيز والصيانة والتشغيل والاستغلال وغير ذلك من التزامات شركة المشروع. هذا الحق في التعديل أوجب المشرع تضمينه في عقد الشراكة مع بيان أسس وآليات التعويض عن هذا التعديل.

ويجيز القانون الاتفاق على تعديل عقد الشراكة إذا طرأت ظروف غير متوقعة بعد ابرام العقد، بما في ذلك التعديلات في التشريعات النافذة وقت ابرام العقد، والتي يترتب عليها الاخلال بالتوازن المالي في العقد، وذلك بما يضمن إعادة التوازن المالي.

بقي أن نقول أن المشرع القطري حاول في قانون تنظيم الشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص في دولة قطر، إضفاء شيء من المرونة على هذا النوع من التعاملات التي تكون الدولة طرفًا فيها عوضًا عن استخدامه لأساليب القانون العام التقليدية، فنص صراحة على عدم خضوع عقد الشراكة لقانون المناقصات والمزايدات العامة، وعدم خضوعه لقانون النظام المالي للدولة. كما أن عدد أنظمة الشراكة وعدد طرق طرح المشروع لإتاحة المجال للاختيار الأمثل والأكثر مناسبة لكل مشروع على حدة. بل نجده يذهب إلى أبعد من ذلك بإمكانية اختيار ما لم يذكر في القانون من طرق وأنظمة وأساليب بعد اعتمادها من مجلس الوزراء. بل يجيز إذا استدعى الأمر استثناء أحد المشروعات التي يتم تنفيذها من خلال الشراكة من الخضوع لهذا القانون.

هذا والله من وراء القصد.

مواضيع مرتبطة