رؤية الخبراء

وكيلة جلالة الملك القاضية / عائشة آيت الحاج رئيسة الجمعية المغربية للنساء القاضيات رئيسة الجمعية المغربية للنساء القاضيات . عائشة آيت الحاج

 

دور نساء القانون في صنع القرار بالدول

 الجمعية المغربية للنساء القاضيات نموذجا

يعتبر النضال النسوي أحد أبرز أوجه التضامن النسوي، إن لم نقل أنه الدعامة الأساسية والتجسيد الأمثل له، فالمرأة تجاوزت الفكرة الأساسية التي كانت تدافع عنها عبر التاريخ، والمتمثلة في حركة حقوقية تطالب بحرية المرأة و مساواتها مع الرجل إلى مفهوم أعم و أوسع ليشمل الدفاع على الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية.

والتضامن النسوي انتشر عبر العالم بدعم من هيئة الأمم المتحدة، ليتجسد في حركة نضال نسائي عالمي تجمع الحركات والمنظمات، للنضال من أجل القضاء على أسباب الفقر والعنف ضد المرأة، والقضاء على جميع أشكال عدم المساواة والتمييز الذي تتعرض له المرأة.

من هنا يتبين أن التضامن النسوي تمكن من اختراق الحدود، واستطاعت من خلاله المرأة أن تسمع صوتها للعالم أجمع أنها هنا وهي متمسكة باتحادها وتضامنها مع كافة نساء العالم، للدفاع عن حقوقها في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى غير ذلك.

وقبل الحديث عن مساهمة المرأة القاضية في هذا النضال، لا بد من الإشارة إلى بداية ولوج المرأة لمهنة القضاء حيث ولجت المرأة في المغرب مهنة القضاء بشكل مبكر مقارنة مع باقي الدول العربية وكان ذلك سنة 1961 حيث عينت أول قاضية مغربية في شخص المرحومة الأستاذة أمينة بن عبد الرازق، و بعد ذلك تم فتح المجال لها للمشاركة في مباراة الولوج للمعهد العالي للقضاء إلا أن نسبة قبول النساء في هذه المباراة كانت ضئيلة مقارنة مع نسبة قبول الرجال، بحكم الإكراهات المتعلقة بمكان تعيينهن والتي كانت لا تتعدى مدينتي الدار البيضاء والرباط، هذا التعيين الذي تتحكم فيه من جهة مراعاة ظروف المرأة، ومن جهة أخرى الثقافة السائدة آنذاك في كثير من المناطق و التي لم تكن تتقبل أن ترى امرأة تحكم وتفصل في مشاكلهم و نزاعاتهم، إلا أنه لا بد من الإشارة أنه بالرغم من كون المرأة المغربية كانت سباقة للولوج لمهنة القضاء إلا أن نسبة حضورهن تظل ضئيلة جدا، إذ بالاطلاع على الاحصائيات الأخيرة المنجزة من طرف وزارة العدل تحت عنوان ( تقرير عن المرأة في منظومة العدالة) بتاريخ 08 مارس 2021 نلاحظ أن:

حضور المرأة المغربية في سلك القضاء إلى غاية نهاية سنة 2020

مجموع عدد قضاة المملكة

عدد النساء القاضيات

نسبة النساء القاضيات

4216

1051

25%

 

 

مجموع قضاة المملكة

عدد قاضيات  الحكم

النسبة المئوية

عدد قاضيات النيابة العامة

النسبة المئوية

4216

880

21%

171

4%

 

 

 

 


 

 

حضور المرأة القاضية في مناصب المسؤولية

مجموع مناصب المسؤولية القضائية

عدد القاضيات في المسؤولية القضائية

النسبة المئوية للقاضيات في المسؤولية

217

11

5%

 

 

توزيع النساء في مناصب المسؤولية القضائية

الصفة

مقر العمل

وكيلة عامة للملك

محكمة الاستئناف التجارية بفاس

رئيسة محكمة

المحكمة الابتدائية بتمارة

رئيسة محكمة

المحكمة الابتدائية بسوق السبت أولاد النمة

رئيسة محكمة

المحكمة الابتدائية بأزرو

رئيسة محكمة

المحكمة التجارية بفاس

رئيسة محكمة

المحكمة الادارية بمراكش

وكيلة الملك

المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء

وكيلة الملك

المحكمة الابتدائية الاجتماعية بالدار البيضاء

وكيلة الملك

المحكمة التجارية بالرباط

وكيلة الملك

المحكمة التجارية بمكناس

وكيلة الملك

المحكمة التجارية بوجدة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

لأجل ذلك لم تبق المرأة القاضية بعيدة عن  هذه الحركة العالمية دون أن تنخرط فيها، وهنا لا بد من الحديث عن فترة ما قبل دستور 2011 حيث لم يكن للقضاة الحق في تأسيس جمعيات مهنية ولكن بفضل إرادة قاضيات مناضلات خلال سنوات التسعينات خرقن هذا الصمت القانوني و انخرطن مع جمعيات نسائية مناضلة  على حقوق النساء بعد حصولهن على إذن من وزير العدل، نذكر نموذجين نسائيين و هما الأستاذة الحور زهور والأستاذة عائشة الناصري اللواتي ساهمن في الدفاع عن حقوق النساء والمساواة وحقوق الطفل ونموذج أسري به تكافؤ الحقوق وبالتالي انخرطت في نضالها من أجل تعديل المدونة و ساهمت في كل المؤتمرات و الندوات التي انعقدت آنذاك  و ساهمت في النضال من أجل تغيير قانون الجنسية الذي أعطى الحق في الحصول على الجنسية المغربية للأولاد من أم مغربية، كما ساهمت من أجل تغيير القانون الجنائي و المسطرة الجنائية و التي من أبرز موادها مناهضة العنف و معاقبة جميع أشكال التمييز ضد النساء عبر كل المنابر إيمانا منها بأهمية  التجمع و أهمية التضامن للوصول إلى تحقيق الأهداف.

وبصدور دستور 2011 أقر للقضاة في المادة 111 منه ما يلي:

 

للقضاة الحق في حرية التعبير بما يتلاءم مع واجب التحفظ و الاخلاقيات القضائية. 

يمكن للقضاة الانخراط في جمعيات، أو إنشاء جمعيات مهنية، مع احترام واجبات التجرد واستقلال القضاء وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون".

لم تدع القاضية المغربية هذه الفرصة تفوتها و بمجرد أن طرحت الأستاذة الفاضلة عائشة الناصري فكرة تأسيس جمعية تضم النساء القاضيات بالمغرب، و هي المتشبعة بالعمل الجمعوي بحكم أنها من بين القاضيات اللواتي مارسن العمل الجمعوي في سنوات التسعينات، حتى وجدت القاضيات ملبيات حاضرات بقوة في بيتها، ليتم تأسيس الجمعية المغربية للنساء القاضيات خلال شهر أكتوبر  2011، و التي تعتبر أول جمعية مهنية بالمغرب و العالم العربي أهدافها الأساسية :  تقوية أواصر التضامن و التعاون بين القاضيات المغربيات، وتحقيق تمثيلية وازنة للمرأة القاضية في مراكز القرار، و إلى نشر ثقافة المساواة و مبدأ تكافؤ الفرص في المجال المهني، و خلق فضاء للتضامن و مساندة المرأة القاضية مادياً ومعنويا، والتنسيق و التشبيك مع الجمعيات المماثلة وطنيا و دوليا.

وبذلك شكلت الجمعية البوابة التي من خلالها استطاعت القاضية المغربية التعبير عن صوتها والدفاع عن حقوقها وأن لا تنيب أحدا عنها في ذلك، و استطاعت أن يكون لها تأثير فعال في السياق الذي كان مطروحا آنذاك و هو الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة و الذي كان من أهم برامجه تنزيل ضمانات للقضاة و حقوقهم المنصوص عليها دستوريا في القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية و النظام الأساسي للقضاة.

وتقدمت بمشروعها ورؤيتها لهذا التنزيل لوزارة العدل وبصفة خاصة ما يهمها كامرأة وهو تنزيل الفصل 19 من دستور المملكة الذي نص على سعى الدولة إلى إقرار مبدأ المناصفة

فدافعت على تنزيل هذا المقتضى بالنسبة للقاضيات سواء من حيث الولوج للمهنة أو من حيث تمكين القاضيات من مراكز القرار وفعلا كان ثمرة نضالها أن تضمنت المادة 65  هذا المقتضى حيث نص على:

"يسهر المجلس على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة ومن أجل ذلك يقوم بتدبير وضعيتهم المهنية وفق مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية والحياد والسعي نحو المناصفة"

 كما دعت الجمعية إلى تأسيس الائتلاف بين الجمعيات المهنية بالمغرب وعقدت ندوة صحفية في هذا الإطار للتعريف بهذا الائتلاف وأهدافه، وتم من خلاله إعداد مذكرات ترافعية تهم مجموعة من المقترحات لتعديل القانونين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة.

وبالفعل تم تقديم هذه المذكرات للبرلمان وعقدت لقاءات مع فرق برلمانية متعددة لشرح وتأكيد ما جاء بالمذكرات الترافعية والتي كانت سابقة من نوعها وتعتبر من بين الممارسات الفضلی، بسعي من القاضية المغربية التي جسدت روح التضامن و النضال معا.

كما أن من بين أهداف الجمعية عقد شراكات مع جمعيات المجتمع المدني يتم من خلالها تنظيم مجموعة من الندوات بربوع المملكة هدفها مناقشة مجموعة من القوانين التمييزية ومدونة الأسرة تفعيلا للنداء الملكي السامي الرامي إلى تغيير بعض موادها.

ولم تقف الجمعية في تضامنها ونضالاتها على المستوى الوطني فقط، بل تعدته إلى المستوى الدولي عبر المشاركة والتضامن مع قاضيات من دول أخرى كإيطاليا واسبانيا والإمارات العربية المتحدة.

كما ساهمت الجمعية يوم 29 نونبر 2014 في أشغال المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش بندوة حول " أي مقاربة للنوع الاجتماعي في سلك القضاء " ، و التي نظمت من قبل الجمعية المغربية للنساء القاضيات ومنظمة كرامة و قاضيات عربيات و افريقيات، حيث أسفرت التوصيات النهائية للندوة عن " إعلان مراكش " الهادف إلى تأسيس شبكة النساء القاضيات بالمنطقة العربية وافريقيا، من أجل العمل الجماعي للنهوض بمكانة وأوضاع وأدوار النساء القاضيات، حيث أن ما أثير خلال هذه الندوة من تجارب واقعية لمعاناة المرأة سواء عربيا أو أفريقيا، بلور فكرة تأسيس هذه الشبكة التي ترمي إلى إيصال صوت القاضيات إلى المسؤولين، وتأكيد أن نون النسوة و تاء التأنيث هي طاقة حقيقية وفاعلة تساهم في بناء قواعد العدالة .

وفي الحقيقة لن يسعني الوقت لأسرد لكم دور الجمعية المغربية للنساء القاضيات في تجسيد روح التضامن والاتحاد والتآزر بين جل القاضيات بالمغرب، وتمسكها الدائم بأهدافها الأساسية التي خطتها منذ التأسيس وعلى رأسها الاستمرارية من أجل المناصفة، وما تأكيد حضورنا اليوم بهذا اللقاء العلمي الوازن بحضوره المتميز إلا تأكيدا عن تضامننا المطلق سواء على الصعيد الوطنى أو الدولي.

مواضيع مرتبطة