رؤية الخبراء

خيانة الأمانة المحامية الكويتية . نيفين عبد الواحد معرفي

 

لقد عُني المشرع الكويتي بالمحافظة على حقوق الأشخاص ووضع العقوبات. ومن ضمن الجرائم التي تتعلق بحقوق الأشخاص المالية، خيانة الأمانة.

وخيانة الأمانة هي "فعل من يختلس شيئاً منقولاً سُلِّم إليه على سبيل الأمانة إضراراً بمالكه أو وضع اليد عليه".

وهي جريمة من الجرائم التي تقع على الأموال، ومن أكثرها انتشاراً. لذلك وضع المشرع الكويتي نصا قانونيا جزائيا للتصدي لمثل هذه الجرائم؛ فقد نصت المادة 240 من القانون الجزائي على أنه "كل من حاز مالاً مملوكاً لغيره، بناء على وديعة أو عارية أو إيجار أو رهن أو وكالة أو أي عقد آخر يلزمه بالمحافظة على المال وبرده عينا أو باستعماله في أمر معين لمصلحة مالكه أو أي شخص آخر وتقديم حساب عن هذا الاستعمال أو بناء على نص قانوني أو حكم قضائي يلزمه بذلك فاستولى عليه لنفسه أو تصرف فيه لحسابه أو تعمد إتلافه. ويعد مالاً، في حكم الفقرة السابقة، المستندات التي تثبت لصاحبها حقاً أو تبرئ ذمته من حق".

فجريمة خيانة الأمانة، كغيرها من الجرائم، يجب لقيامها توافر بعض الأركان. وأركان هذه الجريمة:

الأول: الاستيلاء على المال، التصرف فيه، الإتلاف.

ويتحقق ذلك العنصر بكل فعل يدل على أن الفاعل (الأمين) اعتبر المال المؤتمن عليه مملوكاً له يتصرف فيه كتصرف المالك في أملاكه.

وسيان أن تقع هذه الأفعال على كل المال أو بعضه، إلا أنه في حالة الإتلاف الجزئي يشترط أن يكون جعل المال غير صالح للاستعمال، وجريمة خيانة الأمانة جريمة وقتية، تتم وتنتهي بمجرد قيام الجاني بارتكاب إحدى صور الركن المادي والتي تتمثل في الاستيلاء على المال، أو التصرف فيه لحسابه، أو تعمد إتلافه.

الثاني: القصد الجنائي

العلم والإرادة هما شقّا القصد الجنائي. ولا بد لتوافر هذا القصد أن يكون الجاني قد تصرف في المال وهو يعلم أنه يتصرف في مال ليس  له عليه سوى الحيازة الناقصة، وأن تتجه إرادته إلى حرمان المالك من حقوقه على الشيء المؤتمن عليه.

الثالث: تسليم المال بناء على عقد من عقود الأمانة أو أي عقد آخر يلتزم الجاني بالمحافظة عليه

 يتضح من هذا العنصر أنه يجب أن يكون المال قد سلم بناءً على عقد من عقود الأمانة أو أي عقد آخر يلتزم الجاني فيه بالمحافظة عليه ومن هذه العقود:

  1. الوديعة: هي عقد يلتزم بمقتضاه شخص بأن يستلم شيئا آخر على أن يتولى حفظه، وعليه أن يرده عينا. ولا يشترط أن يكون التسليم حقيقياً، فيصح أن يكون اعتبارياً، فيعد مبدداً الذي يختلس جزءاً من البضائع المبيعة التي بقيت تحت يده كوديعة ويستولي عليه السارق رغم إرادة صاحبه أو بغير علمه. أما في خيانة الأمانة فيوجد الشيء في حيازة الجاني بصفة قانونية؛ إذ يكون قد سلم إليه برضاء صاحبه، وبعد ذلك يختلس الجاني ذلك الشيء أو يتصرف فيه، ما يتعارض مع السند الذي تسلمه بمقتضاه. فخيانة الأمانة ترتكب إذن بتغير صفة الحيازة وتحويلها من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة، خلافاً  للسرقة؛ فإنها تقتضي اختلاس الحيازة نفسها.

وتعتبر جريمة السرقة اعتداء على الحيازة والملكية معاً؛ إذ يكون الشيء في حيازة المجني عليه وقت السرقة. أما جريمة خيانة الأمانة فهي اعتداء على حق الملكية دون الحيازة؛ إذ أن الشيء يكون في حيازة مرتكب جريمة خيانة الأمانة وقت ارتكاب جريمته.

خيانة الأمانة، النصب

تختلف خيانة الأمانة عن النصب في أن التسليم  في جريمة النصب يكون نتيجة لاستعمال الطرق الاحتيالية من جانب مرتكب الجريمة بقصد التوصل إلى الاستيلاء على الشيء والذي تتحقق به الجريمة. بينما في خيانة الأمانة يتم تسليم الشيء نفاذاً لعقد مدني من عقود الائتمان وبدون أن تستعمل الطرق الاحتيالية ولا تتوافر الجريمة فيها، إلا إذا ثبت أن من تسلم الشيء قد خان عقد الأمانة واختلس الشيء لنفسه  أو تصرف فيه المالك.

فوجه الشبه بين خيانة الأمانة والنصب، أن تسليم الشيء فيما يكون برضاء المجني عليه واختياره، ووقوع الاعتداء على حق الملكية دون الحيازة. ووجه الاختلاف أن التسليم في خيانة الأمانة يكون بمقتضى عقد من عقود الأمانة وما يسلم على سبيل الأمانة من مستندات بعد أن انتقلت ملكيتها إلى المشتري. ولا يشترط في التسليم الحقيقي أن يكون قد حصل للمودع لديه مباشرة، بل يعد خائناً للأمانة كل من آل إليه حفظ شيء لكونه خلفا عاما، وقام بتبديده أو الاستيلاء عليه وهو يعلم حقيقته، فإن اختلسه أو بدده فإنه يكون خائنا للأمانة.

  1. الإجارة: هي عقد بمقتضاه يلتزم المؤجر بأن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة بمقابل معلوم، وجريمة خيانة الأمانة تقع على المنقولات المادية في عقد الإيجار.

  2. عارية الاستعمال: وهي عقد بمقتضاه يسلم به أحد الأشخاص شيئاً إلى شخص آخر لينتفع به مدة معينة على أن يرجع المستعير ما استعاره بحيث يكون هذا الرد للشيء نفسه لا قيمته، بخلاف العارية المستهلكة.

  3. الرهن الحيازي: هو عقد به يلتزم شخص، ضماناً لدين عليه أو على غيره، أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان، شيئاً يترتب عليه للدائن حق عيني يخوله حبس الشيء لحين استيفاء الدين.

ويلتزم المرتهن بمقتضى هذا العقد بأن يحافظ على الشيء المرهون ويرده عيناً بعد استيفاء حقه. لذلك فإن الرهن الحيازي يوجد في الحيازة الناقصة للمرتهن، فيرتكب خيانة الأمانة إذا اختلس الشيء المرهون أو بدده أو امتنع عن رده بعد استيفاء ما له.

  1. الوكالة: وهي عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل فيه بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل. وموضوعه هو دائما عمل قانوني يقوم به الوكيل لحساب الموكل، ولا يتطلب أن يكون مصدر الوكالة العقد، وإنما نص على أن الأموال قد سلمت إلى الأمين بناءً على وكالة.

وهذا يتسع ليشمل الوكالة بمقتضى العقد والوكالة القانونية والقضائية. ويستوي لقيام الجريمة في حق الوكيل سواءً كانت وكالة مجانية أو بأجر، صريحة أو ضمنية. ويرتكب الوكيل خيانة الأمانة إذا اختلس أو بدد الأشياء التي سلمت له بناءً على عقد وكالة، وهي الأشياء التي اؤتمن عليها لحساب موكله.

  1. استعمال الشيء لمنفعة المالك أو غيره (القيام بعمل مادي): إن سلم الموضع خيانة الأمانة أمين "لاستعماله" في أمر معين لمصلحة مالكه أو أي شخص آخر. ويقصد من هذا التعبير "العامل" الذي يتسلم شيئاً ليقوم في شأنه بعمل مادي، لمصلحة مالك الشيء أو لمصلحة غيره، إذا استولى على الشيء الذي تسلمه على سبيل الأمانة.

ويعد مالاً وفي حكم عقود الأمانة المستندات التي تثبت لصاحبها حقاً أو تبرئ ذمته من حق.

وهنا يثور تساؤل؛ بشأن بعض الجرائم التي تشبه إلى حد كبير جريمة خيانة الأمانة.

خيانة الأمانة، السرقة:

خيانة الأمانة تشبه السرقة من حيث كونها تقع على مال الغير، ولكنها تختلف عن السرقة في أن هذه الأخيرة إنما ترتكب بسلب المال؛ ففيها يؤخذ الشيء خلسة أو بالقوة. بينما يكون التسليم في النصب وليد طرق احتيالية باشرها المتهم وأثرت في إرادة واختيار المجني عليه.

وأخيراً، ما العقوبات الجزائية التي قررها الشارع ردعاً لمرتكب جريمة خيانة الأمانة؟ يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز 2250 دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين. إن جريمة خيانة الأمانة مثلها مثل أي جريمة أخرى عُني المشرع الكويتي بمحاربتها والتصدي لها، ولكن خطورة هذه الجريمة تكمن في أنها أكثر تأثيراً؛ فهي تؤدي إلى فقدان الثقة بين الأشخاص، ما يؤدي بالتالي إلى اختلال المعاملات فيما بينهم، ويكون من نتائجها عدم استقرار الأمن الاجتماعي.

لذا، كان لزاماً على الجميع أن يحذروا من مغبة هذه الجرائم، لأنها تنتشر بشكل كبير في المجتمع.

كانت لمحة بسيطة أردت أن أبين فيها بعض القضايا التي تمس بشكل كبير السواد الأعظم في المجتمع.

مواضيع مرتبطة