رؤية الخبراء

" المرأة القاضية بالمغرب تجربة رائدة عربيا ...وشريك أساسي في الدفاع عن المكتسبات" قاضية بالمحكمة التجارية بالدار البيضاء بالمملكة المغربية وعضوة بالمكتب المركزي بالجمعية المغربية للنساء القاضيات . زهور الراشيدي

"     المرأة القاضية بالمغرب تجربة رائدة عربيا  ...وشريك أساسي في  الدفاع عن  المكتسبات"

الأستاذة زهور الراشيدي قاضية بالمحكمة التجارية بالدار البيضاء بالمملكة المغربية

وعضوة بالمكتب المركزي  بالجمعية  المغربية للنساء القاضيات

               إن التجربة هي الحكم الوحيد على صحة أي فكرة، و قبل الحديث عن تجربتي المهنية كقاضية، لابد   من الإشارة بداية الى أن المرأة المغربية بصفة عامة تعتبر   رائدة في جميع المجالات، وذلك تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي حرص على تمكين النساء من كافة حقوقهن، ومشاركتهن في عملية صنع القرار، وفتح آفاق المستقبل امامهن للريادة في مختلف المجالات منذ توليه عرش اسلافه الميامين.

وتواجد المرأة بالسلك القضائي يمثل نتاجا طبيعيا لتطور الشعوب وانفتاحها، فقد حققت المرأة المغربية حضورا متميزا في سلك القضاء، وهي من أولى القاضيات العربيات اللواتي ولجن هذا المجال مبكرا وذلك منذ سنة  1961  ، وعززن حضورهن بالمشهد القضائي المغربي  بقوة بحيث وصل  عدد القاضيات بالمغرب  حاليا ما مجموعه  1068 قاضية بنسبة 25 في المئة  ، كما اثبتت قدرتها  على القيادة والمساهمة الفعلية في صنع القرار  وتقلد العديد من المناصب المرموقة وطنيا ودوليا.  وهو مؤشر إيجابي على حرص الدولة المغربية على اتاحة الفرصة أمام المرأة للمشاركة الفاعلة في التنمية المستدامة .

 

تجربتي المهنية

بعد حصولي على  الإجازة في الحقوق "فرع الدراسات الأساسية"   بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات 2008 ، وخلال دراستي في السنة الثانية من  سلك الماستر  تخصص قانون الاعمال بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية الرباط جامعة محمد الخامس اكدال ، تقدمت لمباراة الملحقين القضائيين "الفوج 36"   سنة 2009 و نجحت في اجتيازها ،  بحيث تلقيت تكوينا بالمعهد العالي للقضاء خلال سنتين عن الفترة ما بين 2011-2009 اثمر عن تخرجي كقاضية بتاريخ 25 أكتوبر 2011 .

تجربة العمل بالنيابة العامة

 بناء على اقتراح المجلس الأعلى للسلطة القضائية  لدورة فبراير 2011، تم تعييني أول مرة كنائبة لوكيلة الملك بالمحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء.

وأعتبر تجربتي كنائبة لوكيلة الملك رغم قصرها تجربة مميزة ، تركت أثرا  إيجابيا على شخصيتي و   مساري المهني  ، كما أن تعييني لأول مرة بالنيابة العامة تحت اشراف امرأة كوكيلة للملك  بها ،  وما حظيت به دعم وتوجيهات قيمة من طرفها  على المستوى المهني والشخصي   ، كرس لدي فكرة مفادها ان المرأة المغربية لها من الكفاءة والمهنية ما يجعلها رائدة على  جميع المستويات ، وان معيار التمييز المعول عليه هو الكفاءة والتجرد والنزاهة ومستوى الأداء  .

والقاضي المبتدئ يحتاج لكثير من الدعم حتى يمكنه تجاوز الصعوبات التي تواجهه في بداية مساره المهني ، خصوصا اذا كان قادما من مدينة أخرى  ، ومن أول مرة ولجت فيها رحاب المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء حظيت بدعم كبير من طرف  زملائي بها  ، الا أن طريقة تواصل القاضي  مع محيطه وقدرته على التأقلم  وتدبير جميع الوضعيات التي قد يتعرض لها ، عوامل أساسية   تسهل عملية اندماجه  في المرفق القضائي الذي يشتغل به .

تجربة العمل بالقضاء التجاري

ان العمل بالقضاء التجاري  شكل طموحا بالنسبة إلي منذ ولوجي  مهنة القضاء  ،  بحكم تكويني الجامعي "تخصص قانون الأعمال" ،  فضلا على انني قضيت مدة  من  التدريب بالمحكمة التجارية بالرباط بالموازاة مع دروس  القانون التجاري التي كانت مبرمجة  بفترة التكوين، مما كون لدي قناعة وجدانية بان اختيار القاضي للتخصص الذي تلقى فيه تكوينا أكاديميا سيشكل لا محالة قيمة مضافة في مساره القضائي ، من خلال مزاوجته بين ما هو نظري وتطبيقي عند دراسته للملفات والنوازل المعروضة عليه.

  فبعد ان قضيت ما يزيد عن سنتين بجهاز النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المدنية  ، تم خلال سنة 2014  الاستجابة لطلب انتقالي للعمل بالمحكمة التجارية بالدار البيضاء   من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

وقبل الحديث عن التجربة المتميزة بهذه المحكمة ، لابد بداية من الإشارة الى أن  احداث  المحاكم التجارية جاء كحلقة ضمن سلسلة الإصلاحات التشريعية التي باشرها المغرب في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، وذلك لتحسين مناخ التجارة والأعمال وتطوير  الاستثمار بالمغرب ، بحيث خطى المغرب خطوة متقدمة في ميدان التنظيم القضائي من خلال الخوض في تجربة القضاء المتخصص ، ليتحقق صرح المحاكم التجارية بإصدار القانون رقم    53.95  بتاريخ 12 فبراير 1997 كقضاء متخصص ومستقل إداريا وهيكليا، توكل اليه مهمة النظر في بعض  القضايا النوعية  .

وتعتبر المحكمة التجارية بالدار البيضاء التي اشتغل بها حاليا، من أهم المحاكم التجارية بالمغرب، بحكم موقعها الأساسي بالعاصمة الاقتصادية للمملكة، وارتباطها بكثرة القضايا المعروضة عليها، اذ تسجل سنويا أرقاما قياسية في نسبة وعدد الاحكام التي تصدر عنها.

و العمل بهذه المحكمة يعتبر تحديا كبيرا بالنسبة لي بحكم أني كنت ازاول مهامي  كنائبة بالقضاء الواقف ، إلا ان اشتغالي الى جانب ثلة من القاضيات والقضاة وعلى رأسهم المسؤول القضائي بهذه المحكمة  ،  واستفادتي من تجاربهم القضائية ، ورغبتي في التعلم والتطور  ،  فضلا على تكويني الأكاديمي في قانون الأعمال ، والبحث عن الاجتهادات القضائية   كلها عوامل  ساهمت في اندماجي بسرعة داخل محيط  هذه المحكمة الاستثنائية، وبفضل دعم  وتشجيع عائلتي استطعت تحقيق التوازن بين عملي كقاضية وواجباتي الأسرية كزوجة وأم ، وهذا شأن كل امرأة مغربية  في كل بيت تجدها امرأة ترعى اسرتها وابناءها وموظفة ناجحة واحيانا تدرس في الجامعة او تكمل مشوارها لتحصل على درجات علمية أعلى .

وجدير بالذكر، اني زاولت مهامي بهذه المحكمة كقاضية للموضوع في قضايا مختلفة  ومتنوعة ، وكقاضية عضوة بغرفة المشورة المكلفة بالبت في قضايا صعوبات المقاولة  ، وكذلك نائبة للرئيس في مساطر التوزيع الودي و المصادقة على الحجز، وحاليا ازاول مهامي بنفس المحكمة كرئيسة غرفة .

وبالنظر لكون المحاكم التجارية مختصة بالبت في مجموعة من القضايا المتنوعة ذات طابع اقتصادي ،  فان القاضي  يبذل  مجهودات جبارة لإيجاد الحلول للنوازل المعروضة عليه،   من خلال الاستعانة  بتكوينه القانوني والاجتهاد القضائي على مستوى محكمة النقض  و محاكم الاستئناف التجارية  .

 القضاء صنعة قبل كل شيء  ، ففضلا على أهمية التجربة  المهنية كعنصر أساسي في صناعة الحكم التجاري ،  فإن الانفتاح  والمواكبة  ليس فقط في المسائل القانونية،  و إستخدام القانون بطريقة إنسانية ومرنة ،  عناصر أساسية يتعين  في نظري استحضارها في معالجة الملفات وإصدار الحكم القضائي الذي أصبحت له  وظائف متعددة وذا ابعاد وآثار على المتقاضي والمجتمع  بصفة عامة. وهو ما يستدعي   توفير ظروف العمل الملائمة للقضاة، و المواكبة المستمرة للقاضي  التجاري من خلال تمكينه من تكوينات  بصفة دورية، حتى يمكنه  مسايرة التطور المستمر ، والمتنوع للنزاعات المعروضة امامه  ، والاستجابة بفعالية للاحتياجات والتوقعات المتغيرة للمجتمع والاقتصاد .

و المرأة القاضية بالمحاكم التجارية  تعتبر شريكة وفاعلة أساسية الى جانب  زميلها القاضي  في تحقيق النجاعة القضائية ، وتكريس الكثير من المبادئ  والاجتهادات القضائية ،  وهو ما يعكس حضورها القوي  والكثيف داخل المحاكم التجارية بالمغرب، كما انها  ساهمت في عملية صنع القرار على مستوى القضاء التجاري من خلال وصولها لمناصب المسؤولية  مبكرا ، اذ تم تعيين السيدة آسية ولعلو  كأول رئيسة لمحكمة تجارية بالرباط  منذ سنة 1998،  والسيدة ليلى بنجلون كأول رئيسة لمحكمة استئناف تجارية ، وتشغل حاليا المرأة القاضية منصب وكيلة عامة  للملك بمحكمة الاستئناف التجارية  بفاس،   ورئيسة محكمة تجارية بها ،  ووكلية للملك بكل من المحاكم التجارية بمدن: الدار البيضاء، الرباط، فاس ، مكناس ،طنجة ، وجدة .

تجربتي بالعمل الجمعوي

فضلا  على  تجربتي المهنية كقاضية ، فأنا عضوة بالجمعية المغربية للنساء القاضيات ، ومن محاسن الصدف ان كانت وكيلة الملك بالمحكمة الابتدائية التي عينت بها للمرة الأولى الأستاذة عائشة الناصري هي رئيستها ومؤسستها سنة 2011 ، وذلك  بعد ان أصبحت إمكانية  انتماء القضاة لجمعيات مهنية او تأسيسها ممكنة بموجب الفصل 111 من دستور المملكة  ، مما مكنني من الانفتاح بشكل كبير على العمل الجمعوي،  والمساهمة الى جانب باقي عضوات الجمعية في الانخراط في تحقيق الأهداف المسطرة بقانونها الأساسي لضمان تنزيل حقوق ومكتسبات القاضيات والقضاة  التي كرسها  الدستور ،كما  شكلت هذه الجمعية  البوابة التي استطاعت  القاضية المغربية من خلالها التعبير عن صوتها والدفاع عن حقوقها و ان يكون لها تأثير فعال في سياقات الإصلاح المطروحة ،  كما ساهم انفتاح الجمعية على المجتمع المدني وطنيا ودوليا وتبنيها  لبرامج جريئة  تمكين المرأة القاضية من المساهمة في ورش الإصلاح و تنمية المجتمع.

     وعموما فإن  تجربة المرأة القاضية المغربية  في سلك القضاء  غنية ومتميزة في جميع التخصصات على الصعيد  الوطني والدولي ، و يمكن  اعتبارها   كإحدى التجارب الرائدة لتمكين المرأة العربية من حقها في الولوج لسلك القضاء والوصول لمراكز القرار ، فضلا على ان تجربتها  المتميزة في النسيج الجمعوي منذ مجيء دستور 2011 الذي عزز مكانتها في الدفاع عن إستقلال السلطة القضائية ، قد تكون نموذجا يحتذى به للقاضيات العربيات بشأن الدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم  لتحقيق المناصفة  المنشودة ببلدانهم ، سيما تلك التي لازالت فيها  كفاءة المرأة وقدرتها على تولي مهمة القضاء محل نقاش.

مواضيع مرتبطة