مقالات

لا يأس لمن طلب النجاح بالعزيمة والإصرار نحقق طموحنا المحامية . رهام علي الجاسم

 

طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، لكن السعي لتحقيق المستحيل يبدأ دائما بإرادة من حديد لكي يتحول إلى حقيقة، ولولا الأحلام العظيمة لما كان النجاح الذي يبدأ بفكرة تبدو كالحلم بعيدة المنال.

والإنسان الناجح، رجلا كان أم امرأة، لا يبلغ القمة ويصل إلى غايته إلا إذا جاهد غير عابئ بالصعوبات والمعوقات التي تواجهه في طريق الوصول إلى غايته. فالإنسان يتمتع بقدرات هائلة تضمن له النجاح ومواجهة الفشل، ولكن الفرق بين الإنسان الناجح والفاشل هو أن الإنسان الناجح يتمكن من استخدام قدراته جيدا ويوجهها لخدمة هدف محدد.

لذلك لو عاد بي الزمن إلى الوراء لاخترت ممارسة مهنة المحاماة (العمل الحر)، هذا العمل الذي أحقق فيه طموحي المهني الذي أحبه.

حصلت على ليسانس الحقوق عام 2000، وتم قبولي بعد فترة وجيزة كباحثة قانونية في وزارة الداخلية. تقتصر مهمتي على إبداء الرأي القانوني لجميع الشكاوى التي تتلقاها الإدارة من قبل أي شخص يقدمها ضد أفراد وضباط الشرطة. في بداية الأمر كان العمل شيقًا وممتعًا؛ كوني حديثة التخرج. لكني لم أشعر في داخلي أن هذا العمل هو ما أطمح إليه؛ حيث أن الشكاوى التي كانت تتلقاها الإدارة التي أعمل بها قليلة جدا بحق الأفراد والضباط، أي بمعدل شكوى واحدة كل شهرين. ولأنني محبة للعمل القانوني بشكل خاص، وبسبب شعوري بالملل، اضطررت لأن أقوم بمساعدة زميلاتي في الأقسام الأخرى في إتمام أعمالهن ومهامهن الإدارية التي لا تمت بصلة للقانون!

قمت بالبحث عن وظيفة أخرى تناسب طموحي، وبدأت بالقطاع الحكومي. ووقتها لم يخطر في بالي العمل الحر أو القطاع الخاص. وبفضل من الله تم قبولي في وزارة العدل بوظيفة ضابط دعاوى، بعد أن عملت 4 سنوات باحثة قانونية في وزارة الداخلية. وكان عملي ينصب على كتابة الدعاوى للمتقاضين الذين لا يملكون القدرة المالية على رفع الدعاوى أمام القضاء، بعد أن تم تدريبي على المهارات القانونية التي تمكن الموظف من بيان وتحديد الدوائر القضائية المتخصصة في نظر الأنزعة القضائية باختلاف دوائرها، ما مكنّي من الصياغة القانونية البحتة لجميع أنواع القضايا.

واستمريت بهذه الوظيفة ما يقارب 15 عاما من العطاء المثمر، أظهرت خلالها مهارات قانونية، حتى وصلت إلى منصب رئاسة هذا القسم الحساس بوزارة العدل.

وجدت أن وظيفة ضابط الدعاوى لها تقارب وتشابه كبير مع مهنة المحامي من حيث صياغة الدعوى وتحديد الدائرة القضائية فقط، إلا أن وظيفة ضابط الدعاوى تنتهي بمجرد تسليم المتقاضي صحيفة الدعوى، أي أنه لا يقوم بمتابعة سير الدعوى بعد أن قام بصياغتها وإعدادها وتحديد الدائرة القضائية المختصة بالنزاع. ولأنني حريصة على مصلحة المتقاضي أطلب منه أن يقوم بإبلاغي عن مجريات الدعوى التي قمت بصياغتها وإعدادها بالشكل الصحيح والتي أصبحت مسؤولة عنها مسؤولية تامة وكأنني المحامية الخاصة بالمتقاضي ولكن دون أتعاب.

في اليوم الواحد كنت أصيغ 9 دعاوى، وقد تصل إلى 12 دعوى في اليوم الواحد، وذلك لأسباب كثيرة؛ منها خروج الموظف بإجازة دورية أو مرضية، فيزدحم القسم بالمتقاضين، ولا نستطيع أن نبلغهم أننا توقفنا عن العمل وذلك مراعاة لكبر سنهم أو لبعد مكان سكنهم ولأسباب عديدة تسبب لنا الكثير من الإحراجات.

هناك الكثير من السلبيات التي واجهتني، وأهمها أن المتقاضي يرغب في أن أصيغ له ما يمليه هو على مسامعي بالحرف الواحد ولا يريد صياغة قانونية، وإذا ما قمت بالشرح له بضرورة كتابة الصياغة القانونية شكلا ومضمونا حتى يقبلها القاضي يأتيني الرد منه (لو أردت محاميا لذهبت ودفعت له مبلغا من المال حتى يقوم بكتابة الدعوى)! كم هي مؤلمة هذه الجملة على مسامعي وكأنني أعمل بدون مقابل.

وأيضا إذا أخطأ ضابط الدعاوى في صياغته للدعوى أو في تحديد الدائرة القضائية لا يعاقب عقوبة جسيمة مع الأسف، بل يتم فقط التحقيق معه بعد أن ترفع الشكوى ضده، والنتيجة إما أن تحفظ الشكوى، أو يتم تنبيه الموظف وإعطاؤه لفت نظر. أما العقوبة، إن طبقت، فهي الخصم من الراتب، وهذا نادرًا ما يحدث.

وكذلك من السلبيات في هذه الوظيفة ضرورة الالتزام ببصمة الحضور والانصراف، وحتى أصل بالوقت المناسب أجد نفسي في ماراثون! وإذا حدث لي أمر طارئ فلا بد من الاستئذان، وغيره من الإجراءات. ولكن بكل أمانة أقول: إنني بعد 18 عاما عملت بوظيفة ضابط دعاوى اكتسبت خبرة كبيرة في صياغة وكتابة صحف الدعاوى والرد على الاستفسارات القانونية والتعامل المباشر مع المتقاضين. فقررت أن أستقل بذاتي وأتجه لممارسة مهنة المحاماة ويكون لي مكتبي الخاص وأكون مسؤولة مسؤولية تامة عن مصالح الموكلين ومتابعة سير دعواهم، لا أن ينتهي دوري بصياغة الدعوى، بل المتابعة لحين الفصل وصدور الحكم النهائي بها. وهذا ما أردته وصممت على القيام به. فقمت بتقديم استقالتي التي رفضها مديري وبشدة، وأشاد بكفاءتي وجهودي وتعاملي مع المتقاضين وعلاقتي مع جميع الزملاء. لكن إصراري على المضي بهذه الخطوة جعله يوافق على استقالتي.

فقمت بافتتاح مكتبي الخاص المتواضع مع شركاء لي. وأصبحت ضمن نطاق العمل الحر لأكون مسؤولة عن منشأتي الخاصة. والمعروف أن مهنة المحاماة ليست بالمهنة السهلة، بل على العكس هي مهنة شاقة تبدأ من استقبال الموكلين بالمكتب وشرح جميع جوانب الدعوى وسيرها في المحاكم، يأتي بعد ذلك الاتفاق وإبرام العقد بين المحامي والموكل وقيمة الأتعاب، بعد ذلك تنطلق الدعوى حاملة اسم المكتب، ويتم تقييدها وحضور الجلسات وتقديم المذكرات والأدلة والبراهين، والالتزام بالحضور ومتابعة جميع الإجراءات الإدارية الخاصة بها.

ويعتبرهذا عبئًا كبيرًا يقع على عاتق المحامي المتفاني بعمله والمتابع لكل صغيرة وكبيرة بنفسه. وهذا من أسباب نجاح المحامي الكفؤ. ومن أكبرالإيجابيات في عملي أن دوري أصبح شاملا لكل تفاصيل سير الدعوى، وليس كما كان من قبل عندما كنت ضابط دعاوى يقتصر دوري فقط على الصياغة القانونية وتحديد الدائرة القضائية، وأيضا من الإيجابيات أنني لست ملتزمة ببصمة تلزمني بوقت محدد بالعمل، بل أستطيع تنظيم وقتي بكل سهولة في حال طرأ لي أمر طارئ.

شعوري بالسعادة لا يوصف عندما يصدر حكم قضائي لصالح موكلي، وكأنني أنا الذي نجحت بالاختبار وحصلت على الامتياز؛ فنشوة النجاح والانتصار أعيشها وأغرد بها وأجعل كل من حولي يعيشها معي. أما عندما كنت ضابط دعاوى فقد كنت أفتقد هذه السعادة وأفتقد فرحة الانتصار؛ فالمتقاضي هو الذي يحضر بنفسه الجلسات ويقوم بتقديم المذكرات ومتابعة سير الدعوى، أو يقوم بتوكيل محام يتابع له سير الدعوى التي قمت أنا بكتابتها وأعددت صياغتها!

تعلمت من مهنتي الحالية (المحاماة) أن أجدد مخزون معرفتي باستمرار، وأتابع جميع التغيرات في القوانين واللوائح، وأيضا القدرة على التعامل مع الناس، إذ أن هناك مقولة تقول (عدو المحامي الأول هو موكله)؛ فحماية مصالح الناس والدفاع عنها تقع على عاتق المحامي. كما تعلمت المثابرة بالعمل والإخلاص فيه وعدم الاستسلام. والأهم من هذا عدم تقديم الوعود من قبل المحامي للموكلين بأن كل قضية سوف يكسبها؛ فهذا خطأ شائع يقع فيه الكثير من الناس، لا أحد يعلم الغيب وليست كل قضية محققة للكسب.

ورغم أنني أعمل دون مندوب أسند إليه مهام العمل، إلا أنني معتمدة أولا على الله، ثم على نفسي وشركائي، فأقوم بنفسي بحضور الجلسات ومتابعة الإجراءات الإدارية للدعاوى، وأنا سعيدة بذلك وأشعر أنني قد حققت طموحي.

وأكررها لوعاد بي الزمن إلى الوراء لاخترت ممارسة مهنتي المحاماة.

مواضيع مرتبطة