رؤية الخبراء

التشريع ومعطيات الثورة الصناعية الرابعة محامٍ ومستشار قانوني . المحامى .عمران بن علي بن سعيد الهطالي

يعيشُ العالمُ اليومَ في مجتمع متسارع , تتسابق فيه الأنظمةُ والتقنيات الحديثة , في ظل ما بات يعرف ( بالثورة الصناعية الرابعة )، ومعطياتها المتمثلة في ( تقنية إنترنت الأشياء -وتقنية الواقع المعزز- وتقنيات النانو - والذكاء الاصطناعي – والطباعة ثلاثية الأبعاد ) وغيرها من معطيات الثورة الصناعية الرابعة . فما المقصود بالثورة الصناعية الرابعة ؟ وما الثورات التي سبقتها ؟ وما علاقة ذلك كله بالتشريع والقانون ؟. هذا ما نحاول الإجابة عليه في السطور القادمة .

نستطيع أن نقول : بأن "الثورة الصناعية الرابعة"(4IR) هي التسمية التي أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس-سويسرا عام 2016م ، على الحلقة الأخيرة من سلسلة الثورات الصناعية، التي بدأت ملامحُها في الظهور حالياً ,وتعني اندماج الأنظمة الرقمية والفيزيائية والبيولوجية على نحو من شأنه التأثير إيجابًا على مستوى معيشة البشر. ويأتي ذلك بعد الثورة الصناعية الأولى باكتشاف المحرك البخاري سنة 1784، ثم تلتها الثورة الثانية والتي انطلقت مع اكتشاف الكهرباء سنة 1870 ، تلتها الثورة الثالثة والتي انطلقت في الثلث الأخير من القرن العشرين مع اختراع الحواسيب والتطور المذهل في تكنولوجيا الاتصالات .

وقد يعتقد البعضُ أن استشرافَ المستقبل , فيما يتعلق بالثورة الصناعية الرابعة - الذي تقوم به العديدُ من الجهات والدول حول العالم -  قد ناله هالةٌ إعلاميةٌ وصخبٌ إعلاميٌ أكبرُ من حجمه الطبيعي، و عدَّوا كلَّ ذلك فقاعاتٍ إعلاميةً للاستهلاك الإعلامي, لا تعكس بالضرورة مدى وعي الأفراد وتطور المجتمعات , لما تحمله الثورة الصناعية الرابعة من معطيات، وأن وجودَ المنتديات والمؤتمرات والمحاضرات , التي تتحدث عن الثورة الصناعية الرابعة , ما هو  إلا مضيعةٌ للوقت والمال والجهد , بدون عائد ولا جدوى - حسب ادعائهم - .

وللرد على أولئك نقول: إن العالمَ المتسارع الرهيب , الذي يقفز قفزاتٍ هائلةً وضخمةً في جميع المجالات, جعل بعضَ الأفكار - التي قد يعتبرها البعضُ من قَبيل الخيال العلمي , واستحالة تنفيذها حاليا مثل (الروبوتات الذكية والمفكرة والتي سوف تدخل جميع مناحي حياة البشر ) واقعاً يفرض نفسه بقوة، وهو قادم لا محالة , ليخترق جميعَ مجالات الحياة , ويؤثر تأثيرا مباشرا على جميع القوانين المنظمة لحياة البشر. وعليه فالمشرعُ لم يقف مكتوفَ الأيدي في ظل ذلك التسارع الرهيب  لبدايات الثورة الصناعية الرابعة, ففي جميع أنحاء العالم يحاول المشرعُ جاهدا أن يواكبَ الوتيرةَ المتسارعةَ للعالم الرقمي , عبر سن القوانين المنظمة للعلاقات والتعاملات الرقمية . ولكن هل تلك الوتيرة متوافقة ومتناغمة مع التقدم العلمي الهائل  الذي يشهده العالم ؟ إذا ما علمنا مثلا: أن التعامل بالعملات الإلكترونية  - وهي إحدى معطيات الثورة الصناعية الرابعة - قد وصل بها إلى ملايين التعاملات عبر العالم  , مما يشكل تحدياً حقيقاً في سن الأنظمة والقوانين للاعتراف بالعملات الإلكترونية , والتي أصبحت تهدد العملات الورقية الحالية، فهل ستعتمد الدولُ عملاتٍ وطنيةً رقميةً في المستقبل ؟!.

أضف إلى ذلك أن وجود نظام حوسبة كمية متطور جدا مثل الحاسوب الكمي , أصبح  واقعاً حقيقياً . ففي شركة (انتل ) هناك حاسوب محاكاة للحاسوب الكمي، يستطيع الباحثون استخدامه لمحاكاة الحوسبة الكمية (والحوسبة الكمية هي :   - ببساطة - طريقة جديدة في تصميم المعالجات الدقيقة بالاعتماد على قوانين الفيزياء الكمية ) وتتسابق الشركات العملاقة عبر العالم , مثل: جوجل – مايكروسوفت – آي بي إم - وغيرها للوصول أسرع إلى تلك التقنية , التي قد توثر تأثيرا مباشراً وقوياً في دخول العالم إلى حقبة الثورة الصناعية الرابعة؛ وذلك لأن الحوسبة الكمية تفوق الحوسبة العادية من حيث تحقيق قفزات علمية وتكنولوجية مهمة بفتحها آفاقاً واسعةً لمعالجة البيانات الضخمة , ولفهم الظواهر الطبيعية , وإنجاز المهام المعقدة , من خلال إنجاز الحسابات بالغة التعقيد أو المستحيلة في زمن قياسي , مقارنة بأقوى الحواسيب العملاقة الموجودة اليوم , من ناحية القدرة والتطور الرهيب , فهي من الممكن أن تفك تشفير إي رقم سري مشفر بالمستوى الأمني حاليا في دقائق أو ثوانٍ معدودة , مما يوحي أن الخطرَ القادمَ في انتشار الجريمة سوف يكون كبيراً جداً عندما يمتلك الأفرادُ تلك الحواسيبَ الخارقةَ , والمتوقع أن تغزو العالم خلال العشر سنوات القادمة .

كما أن الذكاء الاصطناعي القادم , وهو الركيزة الأساسية لثورة الصناعية الرابعة ,  سيغير العالمَ في جميع مجالات الحياة.

 ولنقترب من ذلك الموضوع قليلا، دعونا نُعرِّفَ الذكاءَ الاصطناعي , فهو كما يعرفه العالمان - أندرياس كابلان - ومايكل هاينلين " قدرة النظام على تفسير البيانات الخارجية بشكل صحيح، والتعلم من هذه البيانات، واستخدام تلك المعرفة لتحقيق أهداف ومهام محددة من خلال التكيف المرن"، بمعنى: أن في البرامجَ العاديةَ بالحواسيب التقليدية يقوم الشخص بتخزين السؤال والإجابة فيها مسبقا , لكي تقوم بتقدم الحلول والإجابات المخزنة مسبقا عند طلبها. بمعنى: أنه يجب على الإنسان أن يكون عارفاً لحل تلك المسائل؛ لكي يبرمج الإجابة الصحيحة  في الحاسوب , ويقدمها الحاسوب لمن يبحث عنها لاحقا. أما في الذكاء الاصطناعي فلا حاجة إلى معرفة الحل , يكفي فقط أن يتم تزويد الذكاء الاصطناعي بالأمثلة والمعطيات الدقيقة للموضوع , وبعد تحليل عميق على كل الأمثلة المخزنة سلفا , يحدد لك الذكاء الاصطناعي الحل الأمثل والأنسب لتلك المسألة، ويحدد لك نسبة الصحة والخطأ فيها. مثال ذلك: أن (يتم تخزين مجموعة كبيرة من الأمراض والأعراض المصاحبة لها ,  وعلاجاتها في الذكاء الاصطناعي وعندما تأتي حالة مرضية جديدة , ومن خلال الفحوصات و الأعراض المصاحبة لها  يحدد لك الذكاء الاصطناعي نوع المرض , والدواء الأمثل لذلك المريض بناء على آخر المعطيات والبحوث الطبية الدقيقة )، ويبحث كذلك في آخر الدراسات الطبية والأبحاث العلمية المنشورة.

ومن المعروف في عالم الطب , أن الدراسة أو البحث المنشور يحتاج إلى ستة أشهر على الأقل إلى أن يتمكن أغلب الأطباء من الاطلاع عليها ,  ولكن في حالة الذكاء الاصطناعي ومع اتصاله الدائم بالإنترنت , فسوف يستطيع أن يعرف جميع البحوث العلمية المنشورة في اللحظة نفسها , وتحليل بياناتها والاستفادة منها قدر الإمكان.

اتخاذ القرارات

إن أخطر ما نخشى أن نمنحه للذكاء الاصطناعي هو حق اتخاذ القرارات المصيرية وتحديد حياة الأفراد فمن المتوقع مع تطور العلم أن يتم اختراع (نانو ربوت ) صغير ومن الممكن أن يزرع في جسم الإنسان ليكتشف الأمراض في بداياتها وتغذيته ببعض المعطيات ليقوم بعلاج الجسم. ولكن ماذا لو اكشف الربوت أن تلك المرأة الحامل تحمل جنيناً قد يخلق مشوهاً؟ ليقرر الذكاء الصناعي التخلص من الجنين ويتخذ قراراً مصيراً لحياة فرد  من البشر . ولنكون أكثر واقعية تخيل أن إحدى السيارات ذاتية القيادة كانت تسير بسرعة ١٠٠ كيلومترا في الساعة فجأة ظهر أمامها عابرُ طريق أو طفلٌ، وفي أجزاء من الثانية قام الذكاء الاصطناعي بحسابات سريعة قرر أنه لو ذهب لليمين سوف يصطدم بالرصيف ويودي بحياة السائق، وإذا ذهب للشِمال سوف يصطدم بالسيارة المقابلة وتودي بحياة السائق أيضا، ولو قرر التوقف بالسيارة تظهر المعطيات أن وقوف السيارة سيكون بعد الاصطدام بعابر الطريق بعدة أمتار مما قد يؤدي إلى قتله. ماذا سوف يقرر الذكاء الاصطناعي ؟ هل سوف يقتل السائق أم عابر الطريق؟ ولمن أولوية البقاء هنا ؟ وهل يحق له –أصلا- أن يتخذ قراراً بإنهاء حياة أحد البشر؟ وهل نحاسبه في القانون على القتل الخطأ ؟ ومن سوف يتحمل نتيجة القتل الخطأ ؟ ومن سوف يطالب أولياء الدم  بمحاكمته؟ هل الذكاء الاصطناعي أم مالكه أم مبرمجه أم منتجه؟. أسئلة قانونية عديدة سوف يظهرها لنا الذكاء الاصطناعي مع اختراقه لمناحي الحياة فهل سيضع لها المشرعون في العالم حلولاً قانونيةً وتأصيلاً للقيم والمبادئ التي سوف تقوم عليها معطيات الثورة الصناعية الرابعة. هذا ما تكشفه لنا الأيامُ القادمة. 

وفي مجال القانون نقول: إن الذكاء الاصطناعي , قادرٌ على إنشاء محكمة ذكاء اصطناعي برئاسة سعادة القاضي الربوت المفكر والمبرمج ! ، القادر على تحليل و اتباع الإجراءات الصحيحة للقيام بالعملية الصحيحة والقانونية وِفق القانون , كيف لا ؟ وبتغذية الذكاء الاصطناعي بجميع القضايا والأحكام والقوانين والقواعد القانونية , سوف يتمكن من البحث في أعماق جميع تلك القوانين والقواعد القانونية؛ ليحلل جميع تلك المعطيات ويقارن بين جميع الأحكام المستخرجة في القضايا المشابهة لها, ليستنتج الحلولَ المثاليةَ , والاحتمالات الدقيقة لكل قضية , ناهيك عن قدرته على التعلم السريع , والاستنتاج الصحيح. حيث سيحدد لك الحكمَ المناسبَ بدقة عالية جدا , قد تصل إلى نسب مرتفعة جدا. وبانتشار تلك التقنية , وتطبيقها عبر تطبيقات الحواسيب والهواتف المحمولة , سوف تخترق عالمَ القانون بحيث تتمكن من الإجابة على الاستشارة القانونية  , بقدرة وفهمٍ متعمقٍ وكبيرٍ جدا قد يتجاوز ما يستطيع أغلب المحامين والباحثين القانونيين استيعابه, حيث إن مَلكة الحفظ والقدرة على مقارنة وتحليل النصوص والمواد القانونية بالعقل البشري , لن تستطيع التغلبَ على الآلة. وما يؤكد ذلك، أن الذكاء الاصطناعي المسمى (الفا زيرو ) استطاع أن يفوز على بطل العالم في لعبة الشطرنج , فبعد أربع ساعات من إعطائه قواعدَ اللعبة , وتركه يتمرن عليها , ويجرب جميع المحاولات الممكنة , تعلمَ وطورَ من مهاراته , و استطاع بها تجاوز بطل العالم في الشطرنج في 25 مباراة على التوالي .

تطلعات مستقبلية

وقد نفاجأ أحيانا، وضمن نتائج الثورة الصناعية الرابعة وتطلعاتها،  بتوقعات خطيرة ربما تؤثر على الأفراد والمجتمعات , فقد انتشرت قبل فترة توقعاتٌ عن بعض المهن المستقبلية القابلة للانتهاء , حيث إن الثورة الصناعية الرابعة القادمة للعالم , والذكاء الاصطناعي الذي سيقود العالم , قد يوثر بالتأكيد على العديد من المهن الحالية , والتي سوف تختفي من الوجود نهائيا , مثل (مهنة موظف حجز تذاكر السفر –  وساعي البريد – والطيارين – وقارئ العدادات – والوظائف القانونية  )  وغيرها الكثير من المهن المهددة بالانقراض مع التطورات القادمة  ,  ولكن - وكما حدث في الثورات الثلاث السابقة- عند اختفاء بعض المهن التقليدية , ظهرت على السطح مهنٌ جديدةٌ ومبتكرةٌ , وقد غطت النقص الذي ظهر في تلك المهن , وحلت مشكلة البطالة التي تواجه المجتمعات عند قيام الثورات الصناعية , والتحول في العالم من حقبة إلى أخرى , ومن أمثلة تلك المهن التي انقرضت: مهنة (الساقي ) وهو الشخص الذي كان يوصل الماء إلى المنازل , فقد انقرضت مع ظهور التوصيلات والأنابيب المائية إلى المنازل , واختفت تلك المهنة، وظهرت الحاجة إلى مهنة جديدة وهي مهنة (السباك ) وهو من يقوم بتصليح التوصيلات والأنابيب في المنازل. وهناك الكثير من المهن التي سحقها الزمن مثل (عامل المصعد ) لما كانت المصاعد قديما معقدة  , وتحتاج إلى شخص مدرب لتشغيلها.

وقد طالعتنا الدراساتُ باحتمال تأثر الوظائف القانونية بالثورة الصناعية الرابعة, مثل (الباحث القانوني – المحاماة – الاستشارات القانونية )، حيث تقول التوقعات: إن الذكاء الاصطناعي قادر على برمجة الحلول الذكية الممكنة , وفك تشابك القضايا والدعاوى , والبحث والغوص في عمق القوانين؛ لإيجاد الحلول والدفوع القانونية , للقيام بتلك الوظيفة.   وهو مؤشر أظهر - للقانونيين حول العالم- مدى هشاشة النظام الحالي , بل أنه وضع نَصب أعينهم أن الآلة الذكية قادرة على سرقة أحلامهم , وتطلعاتهم المستقبلية , مما يجعلهم يعيشون في قلق محدق , من خطر لا يدركون متى وكيفية حدوثه ,  ولكنه واقع قادم بالنسبة للبعض لا محالة. ولكن - وكما أسلفنا- أن قيام أي ثورة صناعية جديدة , سوف يخلق في العالم فرصاً وظيفيةً جديدةً وإمكانيات غير محدودة للتطور والإبداع. حيث إن التطور القادم سوف يكون للقانون فيه - بشكل عام- مستقبلٌ واعدٌ, كحال باقي المهن التي سوف تتطور وتتأقلم مع العالم الجديد, والنظرة القانونية الجديدة . ونقول هنا: إننا نتوقع أن تظهر مهنةٌ جديدةٌ لنسمها مثلا (مهندساً قانونياً ). وربما تكون مهمة المهندس القانوني شبيهةً إلى حد ما بمهنة القانوني الحالي. فالهندسة بشكل عام هي نظام وفن ومهنة تطبق النظريات العلمية لتصميم وتطوير وتحليل الحلول التقنية، وهنا سوف نضيف كلمة (القانونية) بحيث يساير العلم والتطور المأمول لهذه المهنة، ما قد يجعل المهندس القانوني هو الشخص القادر على البحث في الأنظمة والبرامج القانونية , وإعطاء المعطيات المناسبة للنظام الإلكتروني القانوني ,  الذي سوف يتوسع ويبحث في جميع القوانين , والتشريعات الموجودة والمتطرقة لتلك الأنظمة , مما يزيد من إمكانية الوصول إلى العدالة. فربما تساهم هذه المهنة في إعادة صياغة المنظومة التشريعية للعالم , وذلك عبر توحيد القوانين , ونشر جميع التشريعات العالمية , بجانب بعضها البعض , مما يجعل مهنة البحث والتقصي واستنباط الأحكام والقواعد القانونية المناسبة للقضايا المطروحة , هي مهمة دقيقة وذات أبعاد قانونية كبيرة ومتشعبة. وقد ظهر قبل فترة  (المحامي روس ) وهو من برمجيات الذكاء الصناعي , التي تستخدم القوة الحاسوبية الخارقة لشركة «آي بي إم- IBM»  الذي قد يبحث عن حكم محكمة مغمور وغير معروف جرى منذ عشرين سنة خلت ، ليفاجئك – روس-  (ليس فقط بالبحث عن هذا الحكم وتفاصيله في اللحظة نفسها وبدون أي شكوى أو تنافس سلبي ما) لكنه سيقدم لك الآراء القانونية التي تتعلق بهذا الحكم السابق , وعلاقته بالقضية الحالية , وأهمية الاستناد لهذا الحكم  في مسار القضية الحالية , وذلك بلغة واضحة ومفهومة وسلسة. ولا يكفي القول: إن ثمة تطبيقات قانونية تستخدم حاليا في بعض الدول ,  تعطيك نتائج واستشارات لمواضيع قانونية متعددة , وقد تغنيك عن الحاجة لمتخصص قانوني في ذلك المجال؛ لأن وجود تلك التطبيقات يجب أن يمر عبر أشخاص متخصصين في المجالات القانونية , لتعبئة المحتوى القانوني , وإعطاء المعطيات الصحيحة , وإضافة التحديثات والتطورات في الأنظمة والبرامج القادمة , التي سوف تحمل تلك التقنيات في العالم القانوني , وهو عالم متطور متجدد لا ثابت, فنجد المشرع في جميع دول العالم يقوم بتحديث واستبدال القوانين الموجودة لمواكبة التغيرات والتطورات؛ وذلك لتغير كل شيء في المجتمعات من نواحي اجتماعية وثقافية وفكرية, فما هو ممنوع الآن ربما يصبح مباحاً غدا، وما هو مباح اليوم ربما يصبح ممنوعاً لاحقاً . وبهذا فإن مهنة القانونيين ليست مهنةً قابلةً للانتهاء, ومهنة المحاماة والقانون لا تحمل تاريخ انتهاء ما دام في الكون نبض وحياة.

إن ما تقدمه الدول والجماعات والأفراد من بحوث في عالم التقدم هو نتاجٌ لذلك التراكم الفكري والمعرفي على مدى قرون من الزمن يحاول الإنسان فيها أن يصل إلى نتائج علمية دقيقة في جميع المجالات، ولكن كل تلك النظريات تبقى نظريات قابلة للإبطال وغير دقيقة البتة إذا ما علمنا أنه كلما تقدم العلم، كشف عن معلومات جديدة قد تتضارب وتتصادم مع ثوابت سابقة كان يعتقد البعض أنها من المسلمات التي يأخذ بها بدون أن يعيرها أدنى تدقيق وتفحص أو اعتراض. عليه يجب علينا أن لا نأخذ بما قدمناها ها هنا على أنه استشراف صحيح للمستقبل، بل هو محض توقعات قد تصدق أو تكذب، ولكنها لن تكون إلا نظريات حاولنا قدر الإمكان أن نسلط الضوءَ فيها على منعرج القانون الذي نراه ملتصقاً ولصيقاً بكل ما هو جديد في العالم، ويجب أن ندرس تأثره بكل شيء. فكل شيء في هذا الكون يمشي على قانونه الخاص .

أخيرا :

إن التساؤل الملح الذي يطرح نفسه بقوة الآن, هل سوف تستطيع هذه القوانين أن تواكب وتيرة التغير السريعة؟, التي سوف يشهدها العالم بالثورة الصناعية الرابعة, وهل يستطيع الذكاء الاصطناعي منافسة العقل البشري المتسلح بروح القانون قبل نصوصه؟.

ولنترك الإجابة على هذه التساؤلات لخيال القارئ العلمي والقانوني , لعل هناك دراساتٍ وبحوثاً ومقالاتٍ قادمةً  تجيب على جميع التساؤلات المطروحة في هذا القضية...

مواضيع مرتبطة