رؤية الخبراء

التحديات الستة للمرأة في عالم ريادة الأعمال . إيمان العبدالغني

برزت المرأة الكويتية في عالم المال والأعمال منذ سنوات عديدة؛ حيث تميزت بالإبداع والابتكار والاستقلالية في العديد من المجالات. لكنها بالرغم من نجاحها في عدة قطاعات، إلا أنها ما زالت تواجه العراقيل المجتمعية والمعرفية والاقتصادية التي تقف حائلا دون نموها وازدهارها. وهذه التحديات تتضاعف عند الحديث عن ريادة الأعمال وتأسيس الشركات الناشئة.

 سأخوض في غمار تجربتي الشخصية، باعتباري أول امرأة كويتية تؤسس منصة رقمية ومجلة ستارت أب ديجيتال في عام 2017، في وقت لم يكن خيار المنصات الرقمية أو حلول الأعمال الرقمية دارجا في الكويت.  حيث كانت المنصة صانعة محتوى رقمي تسلط الضوء على العديد من قصص النجاح البارزة للشباب الكويتي، وكيفية تأسيس الشركات الناشئة، وتقدم خدمات تقنية لأصحاب الأعمال؛ من أهمها الديجيتال ماركيتنغ وتحويل الشركات إلى منصات ويب من استخدامات العملاء والوسطاء. وباتت خبرتنا في تطوير المنصات التكنولوجية وصناعة المحتوى الرقمي هي العلامة المميزة لنا؛ فقد استطعنا خلال فترة وجيزة، وبلا دعم حكومي أو خاص، أن نجمع العقول الفكرية والديناميكية من داخل الكويت وخارجها في مؤتمرات محلية وإقليمية، وعرضها في منصتنا الرقمية. بالإضافة إلى تنظيم عدة لقاءات ناجحة بين الرواد والمستثمرين لنقل الخبرات والمعرفة وتبادل الأعمال التجارية. وبجهد بالغ عملنا على تشجيع التجارة الإلكترونية وفتح آفاق التعاون الدولي بين رواد الأعمال. بل إننا ساهمنا في خلق وتقديم واجهة ريادية للمشاريع الناشئة الكويتية إلى العالم. وبالرغم من النجاح الباهر الذي حققناه، وخصوصا في السنوات الأولى، إلا أنني واجهت العديد من المعوقات والمصاعب.

ومن واقع عملي سأطرح أهم ستة تحديات قد تعاني منها رائدات الأعمال في عالمنا العربي عامة، وفي الكويت خاصة:  

1-التوقيت:

تأسست منصة ومجلة ستارت أب ديجتال في وقت لم يكن للتكنولوجيا والمنصات الرقمية أي اهتمام يذكر لدى المؤسسات الحكومية الكويتية والمستثمرين، والأفراد بشكل خاص. لذلك كان عليّ بذل جهد مضاعف لإقناع المستثمرين بأهمية إنشاء مثل هذه المنصات الرقمية. إلا أنني تعرضت للكثير من التهميش والاستخفاف، والضغط النفسي أحيانا كثيرة مع كبار المستثمرين بسبب قناعتهم بأن ما أقدمّه لا يتوافق مع اتجاهات السوق الكويتي الذي كان متخما حقيقة بقطاعي المطاعم والفاشن، وبأن خياراتي كامرأة يجب أن تنحصر في هذه القطاعات التي تعتبر ناجحة جدا ولاقت رواجا في الخليج العربي؛ فمعظم النساء اللامعات قد نجحن في إنشاء دور الأزياء والتجميل ومحلات التجزئة والغذاء.

إلا أنني كنت أرى عكس ذلك تماما؛ فالآفاق والفرص مفتوحة في المجالات الرقمية، وعملية تشجيع قطاعات التكنولوجيا والمنصات الرقمية والصناعة والفنون بالنسبة لي كانت تحمل فرصا واعدة في السوق الكويتي.

2- التوقعات الاجتماعية ونظرة المجتمع:

قد تزداد بعض الأمور صعوبة لكونك رائدة أعمال، وخصوصا في المجتمعات العربية التي انعكست عليها طبيعة المجتمع الذكوري الذي ينظر للنساء عموما بأنهن أقل كفاءة وقدرة على إنجاز الأعمال، وخصوصا في التكنولوجيا والاستثمار والصناعة.

إن فقدان الثقة في تمكين المرأة وقدرتها على القيادة والتأثير والابتكار تشكل حاجزا أساسيا عند الخوض في المسائل المتعلقة بالأعمال. في الواقع تظل مفاتيح نجاح رائدات الأعمال في مجتمعاتنا العربية صعبة للغاية حيث أنها تحتاج بذل ضعف المجهود الذي يبذله الرجال لتثبت للآخرين بأنها جديرة بالثقة. وقد يلاحظ أصحاب القرار والمستثمرون أنها بارعة في إدارة الأعمال، لكن هناك ما يدعم الفكرة السائدة في عقولهم، وهي النظرة المجتمعية التي تفضل وجود النساء في المنزل أو العمل ضمن إطار نسوي وإداري معين يعتمد أحيانًا كثيرة على الثبات الوظيفي بعيدًا عن المخاطرة.

هذا النظام الذكوري والنظرة الناقصة للمرأة بعدم قدرتها على إنجاز بعض الأعمال يؤثر سلبا على الأهداف التنموية الرئيسة التي يجب أن تكون بعيدة عن فروقات التصنيفات الجسدية والذهنية والعاطفية بين الجنسين. ولمحاربة هذا الفكر، علينا الاستمرار بالدفع نحو المزيد من التمكين النسوي وبناء المهارات القيادية والثقة بالنفس، لارتباطه الوثيق بتحقيق هوية رائدة الأعمال الناجحة. ركزي جيدا على أهدافك، واعملي ضمن دوائر مساندة ومشجعة تساعدك على الاستمرار والتطوير.

كانت منصة ستارت أب وما زالت سباقة في تسليط الضوء على خبرات ومسيرات رائدات أعمال ناجحات استطعن كسر ذلك الحاجز الزجاجي. ويمكنك الاطلاع عليها من خلال مواقعنا.www.startupskw.com

3- التعامل مع محدودية فرص الحصول على التمويل والدعم

تأمين رأس المال يمثل مشكلة كبيرة في ريادة الأعمال، إلى جانب قلة المستثمرين والمستثمرات العرب في الشركات الناشئة، بالإضافة إلى قلة حاضنات ومسرعات الأعمال في العالم العربي والتي تعمل بشكل حرفي. إننا نتحدث عن الكويت، الدولة الغنية، التي يشح فيها الاستثمار الملائكي والمغامر، وتصعب فيها الإجراءات المتعلقة بالاقتراض التمويلي الخاص بالمشاريع النسائية. لم نسمع يوما عن صندوق لدعم مشاريع النساء مثلا، أو تخصيص الشركات الكبرى جزءا من أرباحهم لدعم مشاريع المرأة الكويتية. وكل هذه الأمور تجعل فرص الحصول على تمويل للمشروعات محدودة للغاية ومرتبطة بمخاطر الاقتراض، بينما انحرف الصندوق الكويتي لدعم المشروعات عن مساره في تنمية ودعم المشاريع. شخصيا لم أجد أي تعاون أو دعم منهم.

ولذلك كان علي التعامل مع هذا التحدي من خلال تنمية مهاراتي الذاتية والتقنية والتسويقية، بالإضافة إلى أن الانفتاح نحو أسواق ناشئة جديدة مهم جدا في هذه المرحلة، إلى جانب اللجوء إلى المجموعات أو الكيانات التي ظهرت مؤخرًا بالعالم من أجل دعم المستثمرات، وبالتالي تشجيع رائدات الأعمال وزيادة الوعي والتثقيف حول الاستثمار الملائكي.

4- الأعمال المبتكرة والتكنولوجيا

هناك قطاعات معينة يهيمن عليها الرجال، مثل الصناعة والتكنولوجيا ومشاريع الاستدامة البيئية والذكاء الاصطناعي، ويصبح من الصعب أن تؤخذ المرأة فيها على محمل الجد، وأن تحقق إنجازها الشخصي، وخاصة في العالم العربي الذي يفترض في الغالب أن نجاح المرأة يتمثل في المنزل وليس خارجه، وأن معظم الأعمال التي تناسب المرأة تتمحور حول قطاعات الغذاء والفاشن.

وللتغلب على هذه المعوقات السلبية، عليك الانصهار في عالم قطاع الأعمال الذي تنتمين إليه، وتطوير المعرفة والتقنيات المتبعة من قبل المنافسين. هناك العديد من المبادرات التي تعزز اكتساب المهارات الرقمية التي تعتبر اليوم ميزة تنافسية. يمكنك المشاركة في المبادرات المختلفة في مجال ريادة الأعمال، مثل حاضنة “ياسمين” التي تنظم فعاليات مختلفة من حلقات نقاشية وورش عمل في مجالات مثل التسويق والتدريب وتمكين النساء نحو استخدام التطبيقات الذكية والمهارات الرقمية والتعرف على مشاريع نسائية أخرى، ما يقدم لك خبرات مهمة تساعدك في التعرف على الإجراءات التنظيمية لتأسيس شركة رقمية ناشئة، واختيار الكيان القانوني الملائم لفكرة مشروعك. اعملي اليوم مع عدة منظمات دولية، منها مبادرة غلوبل ثنكرز فورم ومقرها في بريطانيا، والعديد منها منتشرة في العالم العربي ويمكنك الوصول لهم بسهولة عبر منصات البحث

 المختلفة:

www.jasmeen.co

5- تحقيق التوازن بين العمل والحياة العائلية

إنه الهاجس الأكبر للنساء؛ فمن الطبيعي أن تتعرض الأمهات والنساء لمشاعر الذنب والتقصير تجاه الأبناء. ولعل من المهم أن نذكر هنا الضغط النفسي الذي تتعرض له الأم العاملة باعتبارها امرأة لديها مسؤوليات مزدوجة وكثيرة تجاه عملها الذي يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرًا، وأسرتها وحياتها الخاصة؛ والقرار الصحيح هو تحقيق التوازن بين العمل والحياة وعدم جلد الذات. 

عندما تطلقين شركتك الناشئة ستضطرين إلى العمل لساعات إضافية طويلة وتحت ضغط كبير يتطلب منك مهارة عالية في الانضباط وضبط الوقت لتحقيق أكبر قدر من الإنتاجية. وقد يبدو تحقيق هذا التوازن أمرًا صعبًا في البداية، لكن مع الوقت سيمكنك المواءمة بين الأمرين. علينا تغيير أنماط التفكير في منهجية العطاء الذي سوف يساعدك على تخطي هذه العقبة، وأن تفكري بأن التوازن في الحياة والعمل هو مهارة يحتاجها كلا الجنسين لضمان النجاح والرضا الذي سينعكس حتما على الأبناء وسيكون مصدر فخر لهم يساعدهم في بناء مستقبل أفضل لهم.

6- التعامل مع الخوف من الفشل

الفشل هو جزء من رحلتنا في هذه الحياة، وهو الطريق لاستكشاف الآفاق البعيدة لدينا. وهناك احتمال حقيقي ووارد جدا في أي مشروع تجاري بأن يفشل مرات ومرات وتعاد الكرة من جديد، لكن هذا لا يجب أن يكون عذرًا أو سببًا للتخلي عن حلمك، بل يجب أن تؤمني بقدراتك وتتجاوزي لحظات الشك في ذاتك، ولا تبحثي عن نظرية الكمال في مشروعك، أو تنتظري تمويلًا كبيرًا، بل اعملي على دراسة السوق بدقة، واختاري فكرة تلبي احتياجات جمهورك، وفي نفس الوقت تلائم قدراتك المادية في بداية التأسيس.

وأيضا عليك ألا تخافي من مواجهة المجتمع إذا تعثر مشروعك، لأن ذلك يحدث لأكبر المشاريع العالمية، وحتى بعد تأسيسها قد تتعرض لموجات وهزات قد تكون اقتصادية أو سياسية أو صحية كما نرى الآن من تأثير كبير لوباء كوفيد 19 على جميع الأعمال والشركات الكبرى.

إن اندماجك داخل عالم ريادي مبتكر ومجاميع تدفعك إلى الأمام هو المهم؛ فاحرصي على التواصل والتواجد في المبادرات التي تخص قطاعك واهتماماتك التي تعتبر محركا ودافعا لك، لبناء علاقات استراتيجية خارج الإطار الذي وضعتِه لنفسك.

رغم كل هذه التحديات في بيئة الأعمال الكويتية، إلا أن المرأة الكويتية وبجهودها الشخصية استطاعت أن تشكل أحد أهم محركات التغيير والإلهام لغيرها من النساء في مجالات التمكين والتكنولوجيا والابتكار.

من أهم عناصر النجاح التي شكلت وبلورت نجاح شركاتنا هو المهارات الرقمية التي تعتبر قيمة مضافة لما نقدمه من خدمات وبرامج لعملائنا من مختلف دول العالم. إن تلك المهارات التكنولوجية والتقنية تعزز نجاح الشركات الناشئة في عالم متسارع ومتغير يتطلب المزيد من الإبداع والمعرفة التقنية المتجددة.

الجدير بالذكر بأننا في الكويت نعمل في بيئة مضطربة للغاية؛ تختلط فيها المصالح السياسية والأعراف الاجتماعية والتهميش لفئات عديدة من المجتمع. ونحن كنساء كويتيات رياديات نعمل بجهود فردية ونبحث عن شراكات محلية وعالمية للدفع بعجلة التغيير.

 

مواضيع مرتبطة