رؤية الخبراء

حقوق المرأة.. بين الدستور والتشريع دكتوراه في القانون الدولي العام/ ومحكم دولي . الدكتورة المحامية هديل عدنان أنور

     بدايةً، وفي مستهل الكلام، نقول إن حقوق الإنسان والمرأة تحديداً مكفولة ومضمونة في كل الدساتير والمواثيق الدولية، بل مكفولة مسبقًا في كل الأديان السماوية ومنها الشريعة الإسلامية. فلو عدنا إلى الأساس التشريعي لقانون الكون وهو القرآن، نرى أنه تضمن العديد من الآيات التي حددت وبشكل صريح تلك الحقوق، واعتبرتها أساسا للشريعة الإسلامية؛ إذ أن القرآن قدس المرأة وضمن كل حقوقها، بل نجد سورة كاملة وهي "سورة النساء"، كانت بمثابة الميثاق والدستور الذي فصل فيه الله تعالى حقوق المرأة بأكثر من مجال؛ لما تشكله من عماد للبشرية وسر امتداد النسل لاستمرار الوجود. وكذلك نجد فيه أكثر العبر والقصص التي تخلد دور هذا الكيان العظيم؛ بذكره وتخليده للنساء عبر العصور والتاريخ. ونجد مواقف المرأة متجسدة في صورة السيدة خديجة زوجة الرسول (ص)، والسيدة فاطمة، والسيدة زينب، والسيدة هاجر، والسيدة سارة، والسيدة مريم، عليهن السلام جميعا، وصولاً إلى يومنا هذا، وما تمثله المرأة من كونها نصف المجتمع، والدور الذي جسدته في مجالات الحياة وأبدعت فيه كونها الأم والأخت والزوجة، ومشاركتها للرجل في شتى الميادين، وتحملها أعباء وكوارث الحروب والحصار في الكثير من الدول ومنها بلدنا العراق، فكانت نعم السند والعون للرجل. وكذلك نجد بأن  جميع المواثيق، وأولها ميثاق الأمم المتحدة،  قد أكدت حقوق الإنسان عامة والمرأة خاصة، وساوى بين حقوق المرأة والرجل. وما أكدته المنظمات الدولية ومنها منظمة الأمم المتحدة، وما جاءت به العديد من الاتفاقيات الدولية المعنية بهذا المجال، ومنها "اتفاقية السيداو"، التي جاءت للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وكذلك ما جاءت به مواثيق حقوق الإنسان الأساسية والتي عززت حقوق المرأة، لا سيما في "الشرعة الدولية لحقوق الإنسان"

والتي جاءت بثلاثة صكوك هي:

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتحديداً ما نصت عليه المادة (16) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في فقرته الأولى على أنه "للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج، حق الزواج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وانحلاله". وفي فقرتها الثانية التي أكدت على أنه "لا يبرم عقد الزواج إلا برضى الطرفين الراغبين في الزواج، رضى كاملا لا إكراه فيه". وهناك الكثير من المواثيق والعهود الدولية التي نصت على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق المدنية والسياسية، وأقرت قوانين ضد التمييز العنصري أو التمييز ضد المرأة، وحاربت بشتى الوسائل مسألة العنف ضد المرأة. فكيف بنا اليوم ونحن أمام كل هذه الدساتير التشريعية والدولية ابتداء من الشريعة الكونية أو الدستور الأول "القرآن" إلى كل ما تبعه من مواثيق وعهود ودساتير دولية كفلت وضمنت حق المرأة بأن تكون معززة، وذلك بقوله تعالى "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان". ومع  كل هذه الأعمدة الشرعية والدعامات الدستورية بما ضمنته وكفلته من حقوق وهذا الحق تحديدا، إلا أننا نجد للآن ما يعارضها من نص قانوني أراه من وجهة نظري خرقا للشريعة والأديان ولنص ميثاق الأمم المتحدة، وخرقا للعهد الدولي، وتحديدا الفقرة (2) من المادة (16) منه! إذ ما زالت القوانين الوضعية، ومنها "قانون الأحوال الشخصية العراقي" والكثير من القوانين الموضوعة، تناقض وتعارض مصدرها الأساسي! وأقصر كلامي في هذا المقال على ذلك التناقض والتعارض بين كل ما ذكرته أعلاه ونص المادة (25) من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل، والذي ما زال ليومنا هذا يعطي الحق للزوج بإكراه الزوجة على البقاء على العلاقة الزوجية وإن كانت أساسا في واقع الحال علاقة منتهية لأسباب معينة تؤدي بالمرأة إلى استحالة العيش مع الزوج والبقاء بهذه الرابطة بالإكراه، والتي غالبا ما يستخدمها الزوج فقط للإضرار بالمرأة لإجبارها على التنازل عن حقوقها مقابل الانفصال! فكانت هذه المادة بذلك بمكانة السلاح الذي يستخدمه الزوج لإرغام المرأة على الخضوع وبشكل مهين بغية إجبارها على العيش بذلة إلى الحد الذي يجعلها إما تتنازل عن حقوقها الشرعية، أو إذا أبت ورفضت تنفيذ الطاعة يصار إلى استحصال حكما بنشوزها بغية التنكيل بها لسلبها كل حقوقها التي شرعها لها الدين والقانون. فكانت هذه المادة بحق سلاحا ذا حدين نتائجه في كلا الحالتين إضرار بالمرأة وإساءة لكيانها وسلب لحقوقها. وأنا من على منبركم هذا وتزامناً مع  حلول موعد الاحتفال بيوم المرأة العالمي، أناشد المشرع العراقي لكي يأخذ في الاعتبار حقوق هذا الكائن العظيم الذي قدسته جميع الأديان وقدّره القرآن، وسارت على نهجه كل المواثيق والدساتير والاتفاقيات الدولية، بغية المحافظة على عماد المجتمع الإنساني من الدمار والانهيار، وحماية لحقوقها وعدم السماح لمن يريد أن ينكل بهذه المخلوقة المقدسة منذ خلق البشرية وليومنا هذا؛ لذا أنادي بضرورة إلغاء نص المادة (25) من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل، لما تسجله تلك المادة من خرق شرعي ودستوري وقانوني مخالف لكل الشرائع والأديان، وتقديم هذه الخطوة هدية للمرأة في عيدها المخلد دوليا.

مواضيع مرتبطة