رؤية الخبراء

إثر تداعيات انتشار فايروس كوفيد 19 على علاقة العمل المحامى . د.جمال محارب الفضلى

السيدات والسادة قراء مجلة تحديات قانونية لا يخفى عليكم أن انتشار فايروس كوفيد 19 القى بضلاله على جميع مناحي الحياة ولاشك أن الاقتصاد العالمي في طليعة المتأثرين بهذه الجائحة اذ اشارت الكثير من الدراسات الى ان اقتصادات كثيرة حول العالم دخلت مرحلة الكساد وتراجع معدلات النمو ولما كانت مجلة التحديات القانونية تهتم بطرح الموضوعات القانونية ذات البعد الاقتصادي فقد تلقيت دعوة أستاذة فاضلة جمعتنا وايها سنوات الدراسة في كلية الحقوق جامعة الكويت وكذلك اكتسب كل منا خبرة في مجال اعمال البنوك من خلال ممارسة مهنة المحاماة في البنوك الكويتية وحاليا كل منا يمارس أعمال المحاماة من خلال مكتبه الخاص وتلك العوامل بالإضافة الى ما عرفت به الأستاذة أريج حمادة من تحدي الصعاب واقتحام أفاق جديدة في أعمال المحاماة خارج دولة الكويت وكذلك نشاطها في مجال نشر الوعي القانوني جعل من الصعب الاعتذار عن هذه الدعوة الكريمة

اما بعد فأنه لا يخفى على الجميع ان عوامل الإنتاج هي الأرض ورأس المال والعمل وان كان البعض يضيف لها الإدارة فهذه العوامل أساس أي نشاط اقتصادي ولما كان العمل ركن أساس في أي نمو اقتصادي فأنه من الضروري ان يوليه القانون أهمية تتناسب مع اثره في النشاط الاقتصادي لذا سوف نقدم في هذا المقال رؤيتنا للقواعد القانونية التي يفترض تطبيقها على النزاع العمالي بشأن الاجر اذا استمرت علاقة العمل بين العامل وصاحب العمل الى ما بعد زوال الظروف المرتبطة بهذه الجائحة ومن المهم قبل تقديم هذه الرؤية الإشارة الى بعض الأمور التي كتب في ظلها هذا المقال والتي بتغيرها قد يتغير الرأي القانوني الذي نعرضه وأول هذه الأمور انه لم يصدر تشريع خاص ينظم أحكام علاقة العمل في الظروف الاستثنائية علما انه توجد مطالبات بإصدار تشريع خاص وكذلك تقدمت الحكومة بمشروع قانون لتعديل قانون العمل الأهلي لم يبت فيه من قبل مجلس الامة حتى تاريخ كتابة هذا المقال يضاف الى ذلك انه يجب عرض قواعد عامة استند اليها هذا الرأي الذي نتبناه منها ان قانون العمل الكويتي لم يتضمن أي نص ينظم علاقة العمل في الظروف الطارئة أو الاستثنائية وهو يحظر تماما انقاص أجر العامل ولو كان ذلك باتفاق العامل وصاحب العمل كما ان الرأي الذي نتبناه بني على أساس توقع أن هذه الظروف مؤقته وليست دائمة ونعني بالظروف المؤقتة تعطيل العمل ومنع التجول الذي حال بين استفادة صاحب العمل من جهد العامل ولا تشمل الخسارة او عدم قدرة المنشأة على استمرار العمل بعد عودة الحياة الى طبيعتها لأسباب اقتصادية تتعلق بالمنشأة وكذلك من المهم التأكيد ان بعض الأنشطة لم تتأثر بهذه الظروف بل انها ربما استفادت من هذه الظروف في تحقيق أرباح مضاعفة مع التأكيد على أن هذا الرأي يطبق في حال استمرار علاقة العمل بعد زوال هذه الظروف لأن انهاء علاقة العمل سواء باتفاق الأطراف ام بإرادة منفردة يستتبع تطبيق احكام انتهاء عقد العمل دون خلاف

ومن الهام جدا قبل عرض الرأي الذي نعتقد بأنه أكثر عدالة الإشارة الى وجود أراء فقهية معتبرة لأساتذة أفاضل يرون خلاف ما نطرحه في هذه المقالة يقوم أساسا على انه لا يجوز تخفيض أجر العامل في ظل النصوص الجازمة في قانون العمل الكويتي ويدعون الى اصدار تشريع خاص ينظم احكام الظروف الطارئة على علاقة العمل وبالتأكيد يدعون الى ان يطبق هذا القانون بأثر رجعي على الظروف الحالية ولن نناقش هذه الآراء بشكل تفصيلي لطبيعة هذا المقال المختصر والذي لا يتقيد بأصول البحث العلمي

الرأي الذي نتبناه يقوم أساسا على انه اذا استمر اطراف عقد العمل  في تنفيذه بعد زوال الظروف التي حالت بين صاحب العمل وبين الاستفادة من جهد العامل فأنه يجوز الاتفاق بينهما على اجر اقل من المتفق عليه ويجوز ان تكون هذه المدة بدون اجر في بعض الحالات النادرة وسندنا في ذلك تطبيق المادة 198 من القانون المدني وهي التي تنص على (إذا طرأت بعد العقد وقبل تمام تنفيذه ظروف استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها عند إبرامه وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام الناشئ عنه وإن لم يصبح مستحيلا صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول بأن يضيق من مداه أو يزيد في مقابله ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك) ولا يخفى على المختصين في القانون أن هذه المادة هي تقنين لنظرية الظروف الطارئة في القانون الكويتي علما ان غالبية القوانين المقارنة تأخذ بهذه النظرية وفق تنظيم يناسب ظروف كل بلد وسوف نعرض في هذه المقالة أسباب تمسكنا بهذا الرأي لكن امانة العرض تحتم علينا الإشارة الى ابرز حجة تمسك بها من رفضوا الاخذ بهذا الرأي وهي ان قانون العمل قانون خاص ولا يجوز تطبيق احكام القانون المدني في ظل نفاذ القانون الخاص وهذا الرأي لا شك له الكثير من الوجاهة لكننا كما اسلفنا معنين في هذا المقال بعرض الحجج التي استندنا لها فيما ذهبنا اليه وأول تلك الحجج انه اذا كان قانون العمل وهو بالفعل قانون خاص صدر لينظم العلاقات العمالية فأنه اذا لم يتضمن حلا لمسألة من المسائل لا يمكن أن يترك الخلاف بين اطراف عقد العمل دون حسم و القاضي الذي يعرض عليه النزاع لا يمكنه ان يمتنع الحكم وقد نظم القانون المدني مثل تلك الحالات ورتب المصادر التي يستند لها القاضي في اصدار الحكم والمستقر في القضاء و الفقه ان القانون المدني هو الشريعة العامة لجميع القوانين أي انه اذا لم يجد القاضي السند التشريعي للفصل في النزاع في القانون الخاص فأنه ملزم ان يبحث عن النص الذي يحكم المسألة في تشريع آخر يتضمن الحل والقانون المدني هو الشريعة العامة لجميع القوانين وهو الوعاء الذي نظم نظرية الالتزامات بشكل عام وجميع الشراح والفقهاء مجمعون أن قانون العمل الكويتي لم ينظم علاقة العمل في الظروف الطارئة لذا فأن الحل يكون بالبحث في قواعد القانون المدني ثانيا ان جميع الافتراضات التي وردت بالمادة 198 متوافرة في اثر الظروف الطارئة على عقد العمل الناجمة عن القرارات الحكومية المرتبطة بجائحة كورونا فنحن نواجه ظروف استثنائية طرأت بعد ابرام عقد العمل وقبل انقضائه ولم يكن بوسع احد توقعها والزام المدين – صاحب العمل – بتنفيذ التزامه سوف يهدده بخسارة فادحة ثالثا أن الظروف الاستثنائية التي تواجه كل من صاحب العمل والعامل تبرر الخروج عن احكام قانون العمل مؤقتا ومن الحجج التي نسوقها لإسناد هذا الرأي ان الظروف الطارئة توسع من نطاق المشروعية بحيث تصبح بعض الاعمال او تفسيرات القوانين مشروعة وهي في الأوقات العادية غير مشروعة ومن الأمثلة على ذلك ان السلطة التنفيذية خصوصا في النظام القانوني اللاتيني تستطيع في الظروف الاستثنائية أن تخالف القانون للحفاظ على المصلحة العامة وتستطيع ممارسة دور السلطة التشريعية في بعض الحالات الطارئة وما يبرر الخروج على هذه القوانين هو حالة الضرورة اما ما نتمسك به من اعمال هذا النص فلا يستند الى الخروج على القانون النافذ استنادا لحالة الضرورة وانما يستند الى أن تكييف النزاع أنه بسبب الظروف الطارئة والتشريع الذي نظم الظروف الطارئة هو القانون المدني وهو التشريع الذي يلزم القاضي بتطبيقه لحسم المنازعة العمالية رابعا ان العدالة تقتضي الا يجبر صاحب العمل على دفع اجر عامل لم يؤد العمل المتفق عليه لأن الاصل أن علاقة العمل هي علاقة عقدية يقدم فيها العامل العمل ويقدم صاحب العمل فيها الاجر والقول بخلاف ذلك يعني ان يتحمل صاحب العمل وحده عبئ الظروف العامة الطارئة التي لم يساهم في تحققها ولم يكن بوسعه تصورها خامسا القوانين واحكام القضاء تسعى الى تحقيق العدالة والاصل انه لا يوجد التزام دون سبب وعقد العمل يرتب التزامات متقابلة فلا يصح الزام طرف بتنفيذ التزامه كاملا واعفاء المتعاقد معه من تنفيذ الالتزام المقابل

سادسا أن رعاية مصلحة العامل والمصلحة العامة تبرر اللجوء الى هذا الرأي لان إلزام صاحب العمل بدفع اجر العامل كاملا سوف يؤدي الى انهاء عقد العمل مع التأكيد على انه لا يجوز بحال ان يستمر صاحب العمل بتخفيض اجر العامل بعد زوال السبب لان الضرورة تقدر بقدرها بناء على ما تقدم فأن جميع هذه الأسباب تدعونا الى المطالبة بإعمال نظرية الظروف الطارئة لأن قواعد قانون العمل التي تحظر الانتقاص من اجر العامل قررها المشرع للظروف العادية وان عرض الامر على القضاء وتطبيق نظرية الظروف الطارئة يتيح للقاضي اعمال الظروف الخاصة بكل حالة من الحالات المعروضة والتحقق من ان التزام صاحب العمل بدفع اجر العامل سوف يهدده بخسارة فادحة لان هذا الشرط من شروط اعمال النص كفيل بإخراج الكيانات الاقتصادية الكبيرة ذات الملائة المالية لن تستفيد من هذا النص ويقتصر اعماله على المشاريع التي تأثرت بشدة او التي تكشف بيانتها المالية ان التزامها بسداد أجور العمال سوف يلحق بها خسارة فادحة وهنا يجب التنبه الى ان هذا الحل لا ينطبق على جميع المنشآت حيث تخرج منه المنشأة التي لم تتضرر من تلك الظروف والمنشأة ذات المركز المالي المتين الذي تكشف عنه ميزانياتها لذا نعتقد ان تطبيق حكم المادة 198 من القانون المدني حل يحقق العدالة ويراعي الفوارق والظروف الفردية في كل حالة على حده ولا يوجد الزام ان يكون الحل موحدا لجميع الحالات فقد تمارس منشأتان ذات النشاط ويطبق القاضي احكام المادة 198 على احداهما ولا يطبقه على الأخرى حسب ما تكشف عنه ظروف الحال ختاما  نتمنى ان يكون المقال متاحا للقراءة في وقت قريب عادت فيه الحياة الى طبيعتها

مواضيع مرتبطة