رؤية الخبراء

جريمة الابتزاز الالكتروني بين القانون الكويتي واللبناني مستشارة قانونية دولية . المحامية سارة مطر

 

يشهد عالمنا ثورة في مجال التكنولوجيا، خصوصاً مع ظهور شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، لتصبح جزءاً من حياتنا اليومية مع ما تعكسه من نتائج عميقة الأثر على مجتمعاتنا. منها ما ساهم بشكل ايجابي في تطور حياة الانسان، ومنها وجه آخر سلبي تمثّل في نشوء أنواع جديدة من التعديات على حقوق الغير والمجتمع، وهي ما يعرف بالجريمة الالكترونية والتي يشكل الابتزاز الالكتروني جزء منها. مما دفع الدول الى اصدار قوانين جديدة تتناسب وطبيعة هذه التعديات.

بدءاً بتعريف الجريمة الالكترونية، وهي ارتكاب فعل غير مشروع باستخدام احدى الوسائل الالكترونية بقصد الحصول على مكسب مادي او معنوي. ومن بين الجرائم الالكترونية التي تفاقم خطرها حديثاً، هي جريمة الابتزاز الالكتروني وهي تقوم على تهديد او ابتزاز شخص بنشر معلومات او صور له عن طريق احدى وسائل شبكة الانترنت، لإرغامه على القيام بعمل او الامتناع عن القيام بعمل او أداء مبلغ من المال. حيث يبرز العديد من الأمثلة في هذا الصدد، كأن يستغل المبتز الضحية للحصول على معلومات او صور او مقاطع فيديو خاصة بالضحية ليقوم بتهديدها بها لاحقاً وابتزازها بطلب مبلغ من المال او القيام بأفعال غير مشروعة أو غير أخلاقية. وفي اغلب الحالات، تكون الضحية من النساء، والتي للأسف وفقاً لطبيعة مجتمعاتنا العربية وخوفاً من التشهير امام اهلها وفي المجتمع. ويساهم الابتزاز، خصوصاً لضعاف النفس، في نشر الامراض النفسية والخوف والاضطراب. كما يؤدي الى هدم حياة الضحية الاسرية وتحطيم مستقبلها وقد يصل أحيانا الى انتحارها. ونستذكر عدة قضايا لقاصر وقعت ضحية ابتزاز وتهديد بنشر صور لها كانت قد أرسلتها للمبتز ووقعت في شباكه، مما دفعهن الى الانتحار، بدل اللجوء الى السلطات المختصة. كذلك الامر، قد يقع الابتزاز من أقرب الناس للضحية، ففي بعض القضايا كان المبتز خطيب الضحية وحتى زوجها، لذلك يجب دائماً توخي الحذر وعدم الوثوق بأحد حتى لو كان أقرب الأقرباء، وعلى الضحية دائماً عدم الرضوخ للمبتز واللجوء الى السلطات المعنية لوضع المبتز عند حده.

وفي هذا الإطار، وفي سبيل حماية الضحية، فقد جرّم القانون الكويتي الابتزاز الالكتروني، وذلك بموجب القانون رقم 63 الصدر سنة 2015 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي يقضي في المادة الثالثة منه (الفقرة الرابعة):

" يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار ولا تجاوز عشرة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من :

..... 4- استعمل الشبكة المعلوماتية أو استخدم وسيلة من وسائل تقنية المعلومات في تهديد أو ابتزاز شخص طبيعي أو اعتباري لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه.

فاذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بما يُعدّ مساساً بكرامة الأشخاص أو خادشاً للشرف والاعتبار أو السمعة كانت العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات والغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تجاوز عشرين ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين...... " .

أما المشرع اللبناني فلم يحذُ حذو نظيره الكويتي عند إصداره للقانون رقم 81 المختص بالمعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي عام 2018، اذ انه لم يدخل نص خاص لتجريم الابتزاز الالكتروني بمقتضى هذا القانون، وبالتالي لعب القضاء دور الأسد حيث عمد الى تكييف المادة 650 من قانون العقوبات الصادر عام 1943 مع التطور الحاصل في تكنولوجيا المعلومات، وذلك احقاقاً للحق وكي لا يكون مرتكبي جرائم الابتزاز بمنأى عن العقاب. فان الاجتهاد اخذ بتطبيق نص المادة 650 عقوبات والذي يعاقب كل من هدّد شخصاً بفضح امر او افشائه او الاخبار عنه، وكان من شأنه ان ينال من قدر هذا الشخص او شرفه لكي يحمله على جلب منفعة له او لغيره غير مشروعة في حال استعمال معلومات أمكن الحصول عليها عبر الانظمة المعلوماتية لان النص لا يشير الى مصدر المعلومات التي تستعمل في التهديد او الابتزاز.

 

لقد أعارت الدول اهتماماً كبيراً في مكافحة جرائم المعلوماتية، فقد قامت دولة الكويت كما لبنان بإنشاء مكتب لمكافحة جرائم المعلوماتية، كما أوجدت أرقام هاتف للتبليغ عن هذه الجرائم، والتي يقع الابتزاز الالكتروني من ضمنها. فضلاً عن ترسيخ طابع السرية والمحافظة على الحياة الشخصية، وهنا تجدر الإشارة الى أهمية هذا العنصر في التشجيع على التبليغ عن جريمة الابتزاز حيث تكون الفتاة عادة خائفة من الفضيحة، وهذا ما يعول عليه المبتز للوصول الى الغاية المبتغاة منه، فالضحية تستجيب له منعاً من نشر صورها أو المعلومات السرية عنها. لذلك، كان جوهر طابع السرية ينصب في منح الضحية حماية إضافية وتشجيعها على التبليغ لمعاقبة المجرم في اسرع وقت ممكن.

وحيث أن الدور الذي لعبه مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية كان فعالاً جداً، حيث يتم التعاطي مع الضحية بكل احترام وحفاظاً على سرية المعلومات الخاصة، وذلك لحين تعقب المجرم واحالته الى النيابة العامة لملاحقته. الا ان العائق الوحيد هو الجانب التقني للقوى العاملة في هذا المكتب الذي يستوجب التدريب العملي والتقني على العديد من التقنيات الحديثة التي تتماشى مع طبيعة هذه الجرائم.

 

ختاماً، ان جريمة الابتزاز الالكتروني أصبحت ظاهرة تخترق جسد المجتمع وتصيبه بالضعف والاضطراب. وعادة ما تقع النساء ضحية لمثل هذا النوع من الجرائم، لذلك يجب نشر الوعي إزاء عدم ارسال أي معلومات او صور شخصية للغير، حتى ولو كان أقرب أقرباء الضحية. وفي حال الوقوع في شباك المبتز، على الضحية الوثوق بمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وابلاغه فوراً، عوضاً عن الرضوخ لمطالب المبتز، اذ ان هذا الأخير سيعمد باستمرار الى تهديد الضحية وابتزازها ولا يكتفي بمرة واحدة.

 

مواضيع مرتبطة